ماذا قالت زوجة وصفي عند استشهاده، وماذا دار بين القتلة عند ارتكاب جريمة الاغتيال ؟.
محطات كثيرة في حياة الشهيد وصفي التل لا تعد ولا تحصى تستحق أن توثق وتذكر في كل محفل ومناسبة، ولا نهدف من استذكار بعض هذه المحطات انصاف تاريخ أحد أبرز رجالات الاردن فقط .إنما لتخليد مواقف رجال أردنيين تسطر بمداد من ذهب عز نظيرها في زمن التخاذل والعمالة و الانبطاح على مختلف المستويات القيادية والسيادية.
المحطة الأبرز هي لحظة استشهاده وما دار من حديث بين القتلة أثناء تنفيذ الجريمة النكراء.
حدثني أحد قادة المقاومة ورمز من رموز تل الزعتر علي قاسم ابوسامر وهو أحد مقاتلي تل الزعتر ومعارك غور الصافي مع الصهاينة أنه التقى بالقتلة الثلاثة بعد عودتهم إلى لبنان وسألهم عن تفاصيل العملية فأخبروه" بأنهم كانوا ينتظروا الفرصة المناسبة لتنفيذ جريمتهم وأن أول ثلاث رصاصات اخترقت جسد الشهيد كانت من سلاح أفراد من جهاز المخابرات المصرية كانوا ينتظروا دخول وصفي إلى الفندق واطلقوا النار عليه من خلف مكتب الاستقبال"( بكل خسة ) وعندها تجرأ القتلة الجبناء "وذهبوا باتجاه الشهيد الذي سقط برصاص الغدر اولا ثم انهالوا عليه وافرغوا مسدساتهم بجسده" .
ويضيف ابوسامر بحسب رواية القتلة انفسهم" أن زوجة الشهيد ارتمت على جسده وهي تصرخ " بعبارة خالدة لخصت مشروع وصفي بخمس كلمات "( ضاعت فلسطين بعدك يا وصفي) "هذه العبارة كان من المفترض أن تكون كفيلة أن تنصف الرجل عند قاتليه أو مؤيديهم وتضع الامور في نصابها لدى المنصفين والعقلاء الذين انخدعوا بمؤامرات قيادات خائنة للقضية، واسترسل أحد القتلة يروي لابي سامر تفاصيل العملية الخسيسة "بأن أحد المهاجمين أراد أن يطلق النار أيضا على زوجة وصفي لكن منعه رفيقه قائلا (بس وصفي ) " مستخدما كنية المسؤول الأول في حينها عن عملية الاغتيال.
لا نعلم لماذا تم اخفاء تفاصيل عملية الاغتيال وخاصة فيما يتعلق بدور المخابرات المصرية وما هو موقف الأردن الرسمي من هذا العمل الجبان لجهاز يفترض أن يحافظ على حياة الضيوف الرسميين والمشاركين بالاجتماع المنعقد في بلدهم.
وايضا عدم إبراز شهادة زوجة الشهيد وصفي وتسليط الضوء على من أصدر أمر الاغتيال علما بأنها سمعت اسمه ولقبه على لسان القتلة الذين كانوا على وشك قتلها أيضا.. تساؤلات تثير الاستغراب والاستهجان لدى صناع القرار حينها وخاصة أن الشهيد كان رئيس وزراء وليس موظف من الدرجة العاشرة يمكن التغاضي عن دمه الذي ضاع دون رد اعتبار او حساب للقتلة او من هم خلفهم.
ولكي نعرف اكثر عن الأجواء التي سبقت عملية اغتيال الشهيد بعيدا عن مواقفه الوطنية التي حمت الأردن من مليشيات مغرر بها من أنظمة عربية عميلة استكثرت على الأردن انتصاره الساحق في معركة الكرامة بالتشارك مع المقاومة الفلسطينية بعد هزيمة الجيوش العربية مجتمعة في حرب ال ٦ أيام، مما يعرضهم إلى سؤال شعوبهم كيف تنهزمون جميعا وجيش اردني منهك ينتصر وحده بعد تسعة شهور من الهزيمة المدوية لكم ؟.
ولهذا دفعوا بكل قوة ومن خلال قيادات عميلة في منظمة التحرير الفلسطينية لاحداث صدام بين الجيش الأردني والمقاومة لانهاء أي تعاون وتنسيق يصب في مصلحة القضية الفلسطينية يعريهم ويكشف خياناتهم .
واعود لتصريح تلفزيوني اجريته مع قيادي واحد ابطال تل الزعتر علي قاسم ابو سامر وهو أحد المشاركين في المعارك المصطنعة التي تسببت فيها قيادات عميلة جرت أحداثها في الأردن وتم بث اللقاء على قناة الحقيقة الدولية ليكون شهادة على مرحلة مهمة على التاريخ .
يذكر ابو سامر في هذا اللقاء أن قيادتهم اوهمتهم بأن هنالك إنزال لقوات إسرائيلية في منطقة الرصيفة قرب عمان وبعد معارك وقتال شرس اكتشفوا أنهم يقاتلون الجيش الأردني وليست قوات الإسرائيلية وبعد سؤالهم لقيادتهم عما يحدث أخبرتهم أنها اخطأت بالمكان فعملية الإنزال المصطنعة هي في عمان وهكذا أشعلوا معركة جديدة مع الجيش الأردني في عمان وبنفس الخطة الشيطانية وانطلت المؤامرة وحدث بعدها الطلاق التام بين الجيش والمقاومة وهذا ما خطط له الصهاينة والعربان والعملاء على حد سواء.
أخيرا.. أود ان ارفق جزء من وصية عرار لولده وصفي التل كما ذكرها البدوي الملثم يعقوب العودات في كتابه: عرار " ولدي وصفي: للمرة الأخيرة أطلب إليك القيام بفروضك الدينية أي الصوم والصلاة وقراءة القراَن الكريم في رمضان وغيره، إذ لا واقّيَ يقي الإنسان إلا التشبث بتعاليم دينه واني انتظر منك رسالة تبشرني بسلوكك الديني على الوجه الذي أريده لك لأني الآن وأنا على أبواب الأربعين أقاسي ما اقاسيه من إهمال في طفولتي وشبابي بسبب عدم القيام بفروض العبادة عملياً”.
ثم يقول ناصحاً: ”وتيقن أن لا تعليم أسمى من تعاليم الدين الإسلامي ولا سعادة وطمانينة إلا بإتباع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء إتباعاً حرفياً فإياك أن تتساهل بفروض دينك وواجباتك الدينية وثق إني إذا لم ارك متديناً دائماً أبداً قائماً بفروضك فسوف يخيب كل أمل اعلقه عليك، فإياك يا وصفي أن تغرك زخارف المدنية الحاضرة والتعليم الاستعماري والكتب الاستعمارية فتعتقد انها أفضل مما يأمر به الإسلام من تعاليم.. حذار أن تهملها ليقال انك متعلم أو متمدن أو عصري وكم سأكون سعيداً يوم تبشرني بأنك تقرأ القراَن الكريم وتحفظه وتفهم معانيه.. ”.
هذا هو وصفي ..
* د. صالح الزيود/ أستاذ الصحافة والإعلام.