منذ بدء عملية طوفان الاقصى وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة توجه الضربة تلو الاخرى للكيان الصهيوني وبطريقة غير مسبوقة في تاريخ هذا الكيان وفي تاريخ حركات النضال الفلسطيني ذاتها عبر خمسة وسبعين عاما مضت على اختلاف مشاربها ومرجعياتها، وذلك من حيث الكم والنوع والاحترافية، بالاضافة الى تلك الحرفية العالية التي مارستها حركة المقاومة الاسلامية (حماس) في ادارة الملف الاعلامي والحرب النفسية باتجاه العدو، وصولا الى نجاحها في ملف التفاوض حول الهدنة او حتى عملية تبادل الاسرى التي قدمتها كتائب القسام بشكل سينمائي مؤثر على الشارع الاسرائيلي والعالم بأجمعه .
والمفارقة العجيبة ان تأتي عملية طوفان الاقصى في عهد رئيس الوزراء الاطول في تاريخ الكيان الصهيوني - بنيامين نتنياهو الملقب بـ( بيب) - الذي ما فتىء يتباهى ويتبجح بأنه الوحيد القادر على حماية دولة اسرائيل وهي العبارة التي ظل يرددها على مدار سنوات خلت، فإلى أي حد كان نتنياهو دقيقا في ذلك؟، والى أي مدى تمكن من ترجمة شعاره هذا على الارض؟..
إن المتابع لتطور الاحداث منذ انطلاقة طوفان الاقصى لا يحتاج الى كثير عناء لرصد الضرر الكبير الذي تعرضت له دولة الكيان الصهيوني والخسائر الفادحة التي لحقت بها خلال اقل من شهرين من تاريخ السابع من اكتوبر وعلى مختلف المستويات.
فهذه العملية التي وجهت ضربة قاسمة لنظرية الامن الاسرائيلي إذ ذهب شعار الجيش الذي لا يقهر ادراج الرياح، فأي فشل مركب ذاك الذي واجهه هذا الكيان الغاصب فجر السابع من اكتوبر "فشل استخباراتي وامني وعسكري"، واقول فشل مركب وكل المتخصصين بالشأن الاسرائيلي يعلمون انه منذ حرب اكتوبر 1973 والجيش الاسرائيلي يكون في حالة طوارىء خلال ايام الخامس والسادس والسابع من تشرين الاول من كل عام، فكيف حدث ذلك ؟؟، هذه اسئلة بل تساؤلات تحتاج الى اجابات بعد انتهاء الحرب وقد تم الاشارة لها في اوساط الصحافة ووسائل الاعلام العبرية وفي الشارع الاسرائيلي مرارا ولا تجد اي اجابة شافية تفسر ما حدث.
إذا كيف يمكن لحركة مقاومة ان تنقض على فرقة عسكرية في جيش نظامي بقدرات فرقة غزة وتجهز عليها وهي المجهزة والمدربة اصلا لمواجهة هذه القوى المقاومة وحماية مستوطنات غلاف غزة؟.
ويبدو ان نتنياهو الذي تؤكد استطلاعات الرأي التي جرت خلال الاسابيع القليلة الماضية داخل دولة الاحتلال انه انتهى سياسيا لم يكتفِ بهذا الفشل، بل ذهب الى حتفه عندما اصر على دخول حرب برية مع حركات المقاومة على الرغم من معارضة الادارة الامريكية لهذه الحرب وهو ما اكده نتنياهو نفسه خلال لقاء له مع اعضاء الكنيسيت يوم الاثنين الثامن من تشرين الثاني قائلا: "ان الأمريكيين لم يريدوا أن ندخل في حرب برية، وألا ندخل لمستشفى الشفاء، وانا قمت بالاثنتين".
وفي الوقت الذي كان يتحدث فيه نتنياهو للكنيسيت عن بطولاته الزائفة في مواجهة اطفال غزة ونسائها ومسنيها كان رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي يتحدث عن الفشل الذي رافق الجيش الاسرائيلي يوم السابع من اكتوبر وعدم جاهزية الجيش للحرب البرية ويعلن لاول مرة عن اصابة 1000 جندي وضابط خلال العملية البرية وهو رقم مشكوك في صحته ودقته مقارنة ببعض الارقام التي افصح عها صحفيين ووسائل اعلام اسرائيلية تفوق رقم هاليفي بكثير، لا بل ان رقم هاليفي هذا لم يأتِ على ذكره هاغاري المتحدث باسم جيش الكيان الصهيوني في تصريحاته اليومية للاعلام والذي ما انفك يبث الاكاذيب ويقدمها للعالم وللمجتمع الاسرائيلي الذي ما عاد يصدق اكاذيبه، واصبح ينتظر البيانات الرسمية للناطق الرسمي باسم كتائب القسام ليستقي منه المعلومة الدقيقة.
وعطفا عما سبق، فلا يمكن لنا تجاوز الالفي جندي وضابط الذين رفضوا الالتحاق بالجيش لخوض الحرب البرية ولا اؤلئك الذين اصيبوا بصدمات نفسية وخرجوا من الخدمة الى المصحات النفسية ومنهم من قام بالانتحار نتيجة الجرائم التي مارسوها بحق المدنيين الابرياء من اهلنا في قطاع غزة، كل هذا بعيدا عن392 جندي وضابط تم الاعلان رسميا عن سقوطهم قتلى من قبل الجانب الاسرائيلي.
هذا الفشل الامني والعسكري الاسرائيلي والامر لم ينتهِ بعد ونتنياهو لم يحقق الاهداف المعلنة لحربه على اهل غزة، فلا هو استطاع قطع رأس حماس والقضاء عليها ولا هو نجح باستعادة الاسرى بالقوة، وهو الامر الذي دفعه مرغما للجلوس الى طاولة المفاوضات والإذعان لمطالب المقاومة الفلسطينية من اجل ايقاف العمليات العسكرية والقبول بالهدنة الانسانية وتبادل الاسرى بعد ان وجد نفسه بين مطرقة الشارع الاسرائيلي الذي يضغط عليه لاستعادة المأسورين في غزة وسندان المقاومة التي توجه ضربات مؤثرة لأرتال جيش ظن كثيرون انه لا يقهر وهي ضربات موثقة بالفيديو من قبل المقاومة وضعت نتنياهو والجانب الصهيوني في مأزق حقيقي، لا بل ان محاولة الجيش الاسرائيلي بخرق الهدنة قابلته المقاومة بتفجير ثلاث عبوات ناسفة تركت خمس اصابات في جنود جيش الاحتلال وبشكل سريع جدا مما يؤكد ان المقاومة الفلسطينية متيقظة لأي تطور من قبل الجيش الصهيوني وتتمتع بجاهزية عالية.
وهنا يجب أن نبين ان حالات الفشل التي رافقت جيش الاحتلال جاءت في ظل دعم عسكري امريكي غير مسبوق سواء من خلال تقديم السلاح او توفير الخبرات العسكرية ذات التجربة العملية في حرب المدن وهو ما اعلنه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عندما صرح: بأن خبراء عسكريين أميركيين لهم تجربة في حرب المدن بالعراق وصلوا إلى إسرائيل لنقل خبراتهم إليها، قبل العملية البرية في قطاع غزة، لكن على ما يبدو بأن هذه الخبرات لم تجد نفعا في مواجهة مقاومة نذرت نفسها للدفاع عن كرامة شعبها وحقه بالحرية.
إن الوسطاء الدوليين ورعاة الهدنة المجتمعين الآن في الدوحة –الولايات المتحدة الامريكية- مطالبين بمزيد من الضغط على نتنياهو للذهاب باتجاه وقف العمليات العسكرية بشكل نهائي، لان عدم النجاح في وقف الحرب أراه سينتج مزيدا من المجازر بحق المدنيين في غزة ففشل الجيش الصهيوني في تحقيق النتائج المرجوة والاهداف المعلنة سيتم تفريغه في الابرياء والمدنيين والاطفال في غزة وهي المعادلة التي سينفذها نتنياهو بكل قسوة وصلف ليعوض فشله ويمد في عمره السياسي التي تؤكد كل المؤشرات انه ذاهب الى مزبلة التاريخ بلا رجعة، لا سيما وانه حمل كثيرين مسؤولية ما حدث ولم يتحمل هو نفسه اية مسؤولية.
وختاما، يجب ألا ننسى ان نتنياهو دخل حرب عزة هذه على وقع حراك شعبي داخلي فالمجتمع الإسرائيلي كان يشهد خروج احتجاجات أسبوعية حاشدة في الشوارع ضد خطة الإصلاح القضائي التي يطرحها نتنياهو والتي حذّر البعض من تداعياتها وخطورتها على الديمقراطية داخل دولة الكيان.