شكلت مشاهد تسليم المخطوفين والأسرى ظاهرة إنسانية تجمع بين نقيضين، فالأسر الفلسطينيين عبروا عن وحشية الكيان الإسرائيلي في مسألة التعامل معهم، من تعذيب وانقطاعهم عن العالم الخارجي وطبيعة الغذاء، وقد سمعنا شهادات من الأسرى المحررين لا يمكن أن يستوعبها انسان، فهي خارج حدود القوانين الدولية التي نصت عليها اتفاقية جنيف في المادة 13 والتي تنص على "يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ويعتبر انتهاكا جسيما لهذه الاتفاقية".

وفي احدى التصريحات لأسير فلسطيني لم يبلغ الثامنة عشرة قال: لقد كنا في مسلخ وليس في معتقل وتابع قائلا لقد قتلوا أسيرا لمجرد انه سأل سؤالا عن الهدنة.

فقد لعبت المقاومة جملة إعلامية أخلاقية متناقضة مع معاملة الكيان الإسرائيلي للأسرى الفلسطينيين لاقت تفاعلا واسعا على صفحات الميديا وصولا إلى انزعاج الكيان الإسرائيلي من تعاطف الاسيرة مع أحد افراد المقاومة، والتي شكلت ظاهرة إنسانية إيجابية عكست الطبيعة الأخلاقية للمقاومين والتي تنطلق من الدين السمح.

ويطلق على هذا التعاطف في علم النفس متلازمة متلازمة ستوكهولم وهي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يُظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المُختَطَف مع المُختَطِف، وتسمى أيضاً برابطة الأَسْر أو الخطف وقد اشتهرت في العام 1973 حيث تُظهر فيها الرهينة أو الأسيرة التعاطف والانسجام والمشاعر الإيجابية تجاه الخاطف أو الآسر، تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه.

لقد شاهدنا طبيعة الوداع بين الخاطف والمخطوف لدى المقاومة، وكادت تلك المشاهد أن تثير أسئلة نقيضة عما يشيعه الكيان الصهيوني عن أفراد المقاومة التي دحضت بتلك السلوكيات كل ادعاءات هذا الكيان المبني على الكذب المحترف.

ومتلازمة ستوكهولم هي استجابة نفسية يبدأ فيها الرهينة أو المخطوف أو الضحية بالتعاطف مع خاطفيه، وكذلك مع أجندتهم ومطالبهم، أعتقد أن ما حدث للأسرى لدى المقاومة هو صورة أخرى تتمثل في صدمة المسلمات التي رسخت في عقل الأسير، فكان الأسير في مواجهة سلوك نقيض عما يعرفه عن الآسر، من خلال تطبيق عملي في مدة ليست قصيرة، وقد شكل التعايش بين الأسير والمقاومة صورة مختلفة تماما عما عرفه الأسير، فهي صورة من صور التحول الكوبرنيكي الصادم لذلك جاءت مشاهد الوداع للأسرى لدى المقاومة نقيضة للسردية الإسرائيلية البغيضة.

وهذا يعكس ذكاء ووعي المقاومة في الحرب الإعلامية التي هي جزء من المقاومة الناعمة للمقاومين وقياداتهم الذكية.

قد تكون الحالة الأكثر شهرة لمتلازمة ستوكهولم هي باتريشيا هيرست، في عام 1974 وبعد حوالي 10 أسابيع من احتجازها كرهينة من قبل جيش التحرير السيمبيوني فقد ساعدت هيرست خاطفيها على سرقة بنك في كاليفورنيا، فهي نقائض نفسية لم ينتبه إليها العدوة الصهيوني، لكن المقاومة أظهرت ذكاء منقطع النظير في إدارة معركة الأسرى وصولا على بياناتهم المشفوعة بمقاطع الفيديو من باب ترسيخ المصداقية لدى العدو والعمل على تفكيك سردية العدو لشعبه كجزء من الحرب.

لقد كانت أيدي الأسرى من الكيان الإسرائيلي تلوح لخاطفيها كما لو انهم جزء من العائلة، وهي صورة من صور الامتنان من المخطوط للخاطف، هي صورة يمكن قراءتها فيما بعد على الصعيدين العسكري والإعلامي والنفسي، وهي جزء من حروب الصورة التي غزت العالم فمقطع واحد لصورة تختزل في تأثيرها الواسع مجلدات من الكلام التجريدي وقد شاهدنا وإلى يومنا هذا حجم وسرعة التحول في العالم الذين اختلفت توجهاتهم ليقفوا مع القضية الفلسطينية وصولا إلى تفكيك بعض المؤسسات الغربية صاحبة القرار.