facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حرب غزة وازدواجية قراءة قانون الغرب الإنساني والأخلاقي


د. محمد خالد العزام
27-11-2023 10:43 PM

جاء التوصل إلى الوقف المؤقت لحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ضمن الصفقة التي جرى التوصل إليها بشان الإفراج عن الأسيرات والأسرى الأطفال، ليشكل فرصة لالتقاط الأنفاس، وبخاصة لشعب فلسطين المهجّر والمثخن بالفقد والجراح. هي فرصة لدفن جثامين الشهداء، ومداواة المصابين ولملمة الجراح وجمع شتات الأسر المشردة بسبب الحرب التي لا نظير لها في التاريخ الحديث لجهة فظائعها وبشاعتها، ولجهة غياب الضمير الإنساني لدى قادة الغرب الاستعماري المتوحش، الذين يرون ما يريدون، ويصمّون آذانهم ويغضّون أبصارهم ويغلقون قلوبهم عما لا يريدون.

هذا التوقف المؤقت، أو الهدنة، مع أن التعبير الأول أكثر دقة لأنها ليست حربا بين طرفين متكافئين، بل هي عدوان من قبل دولة مدججة بكل أنواع الأسلحة على شعب محاصر ومخنوق سلاحه الرئيسي هو الإرادة التي تصنع المعجزات، مثّلت أيضا كسرا لعدة لاءات ومواقف متعنتة، سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن رددها مرارا وتكرارا بكل ما عرف عنه من غطرسة: بالتشديد في كل مرة أن لا تفاوض مع حماس، ولا قطرة وقود يسمح بها، ولا حل لقضية الأسرى إلا بالضغط والقوة، ولا هدن مسموحة. تراجع عن كل هذه اللاءات بفعل عدة عوامل أبرزها صمود الشعب والمقاومة، وموجة الاحتجاجات الداخلية الإسرائيلية التي تطالب بعودة الأسرى تحت شعار "الكل مقابل الكل" وهو نفسه مطلب المقاومة، والموجات العارمة التي طافت مدن العالم وعواصمه رفضا للحرب وتضامنا مع فلسطين، وإلى جانب كل ذلك فشل الآلة العسكرية الإسرائيلية الفتاكة في تحقيق نتائج حاسمة سواء في السيطرة على الأرض أو في تحقيق هدفي الحرب المعلنين وهما القضاء على حماس واستعادة الأسرى.

لكن ما يجري في غزة الآن، يعيد الأشياء الى بداياتها وإلى أسئلتها الأساسية والكبرى، ليس فقط في ما يتعلق بفلسطين وقضيتها، وإسرائيل و"ملابساتها"، ولكن أساسا بالغرب ونظامه وقيمه، بل و"منجزاته"، حتى في أمور بدت للعالم ولفترة طويلة، انسانية مثل حقوق الإنسان والقانون الدولي.

ما يجري يضع كل علامات الاستفهام، بل في حقيقة الأمر يزيل كل تلك العلامات، حول الجانب الاخلاقي في حضارة الغرب، فيظهره على حقيقته عاريا، تلك الحقيقة التي كادت أن تختفي خلف "غبار" التقدم والتكنولوجيا والعولمة.

غزة الآن، تحفز فينا ليس فقط الرغبة، بل ضرورة إعادة النظر في كل ما يتعلق بالغرب وحضارته، من موضوع "النهضة" الى العالم "الجديد" والحروب الاستعمارية والعبودية ومفاهيم الحق والعدل والأخلاق والإنسانية وحتى السلام.

اخلاقيا، أظهرت غزة "العالم الحر" كما ولدته أمه، وكشفت ازمته، وأبرزت ما في حضارته من مخاطر على البشرية؛ "مفهوم" دعم الغرب لإسرائيل سياسيا، لكن تبريره لكل هذه الجرائم التي ارتكبتها في غزة بحق آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، بل وتشجيعها للإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين، تجاوز كل منطق. أبطل تأييد الغرب لإسرائيل قدرته على التمويه والتمثيل، وأفقده "حرصه" على إخراج المشاهد بطريقة تظهر "تفوقه" الأخلاقي.

أراد القادة الغربيون إظهار السابع من أكتوبر وكأنه يوم خارج التاريخ، لم يكن شيء قبله، ولم يحدث شيء بعده. توافدوا الى اسرائيل، من أكبرهم بايدن الى أصغرهم (يصعب تحديده) ليظهروا تضامنهم معها، وليؤكدوا حقها في "الدفاع عن النفس" (إبادة الفلسطينيين)، وليجتمعوا مع أهالي "المخطوفين" لإبداء التضامن واكتساب البركة، وكأن مليون فلسطيني دخلوا المعتقلات الاسرائيلية منذ 1967، (إذ لا حاجة الآن لذكر ما كان قبل ذلك)، كان ما زال منهم في السجون حوالي الستة آلاف في يوم السابع من أكتوبر، وأضيف لهم أكثر من ثلاثة آلاف بعده، هم ليسوا بشرا.

ان القول بأن النظام الغربي بلا اخلاق لا يمثل كل الحقيقة، فالمصيبة أنه إضافة لكونه كذلك، هو انتقائي وعنصري و"استخدامي" في مواقفه "الاخلاقية". ففي اوكرانيا مثلا ادعى أن أخلاقه لا تسمح له إلا بالوقوف مع اوكرانيا التي تتعرض "لعدوان" روسي، وأصدرت محكمة الجنايات الدولية، كأحد أدوات النظام الغربي، قرارا بتوقيف الرئيس بوتين بتهمة الترحيل غير القانوني للسكان والأطفال الاوكرانيين، بينما لا ترى المحكمة كما يبدو ترحيلا للسكان في غزة، ولا حتى نقلا لهم، أو ربما تعتبر أن الترحيل بالقصف "السجادي" الجوي والبري والبحري وإبادتهم يدخل في دائرة القانون.

من الواضح أن النظام الغربي الذي وصل في عنصريته وتنمره "الأخلاقي" الى درجة حرصه على أن "يترفع" عن ارتكاب جرائمه ذاتيا، إلا عند الضرورة القصوى، وأصبح يصنع ادواته "الاجرامية" من الشعوب المقهورة ذاتها، أو من تلك التي لا يهمه مصيرها ما دام ذلك يصب في مصلحته النهائية. هذا ينطبق على استخدامه لداعش، والشركات الأمنية، كما ينطبق على استخدامه لأنظمة تابعة كما هو الحال في اوكرانيا وكثير من دول الشرق، وجد أن الأمور تحتاج للتدخل "الشخصي" والمباشر عندما يتعلق الأمر باسرائيل، فجاءت بوارجه وقواته حتى قبل بدء المعارك.

ولكي لا تبعدنا هذه الصورة البشعة للنظام الغربي عن الصورة الإيجابية العظيمة للملايين من شعوب الغرب، فإن اعدادا متزايدة من تلك الشعوب، خاصة الشباب، تكتشف حقيقة نظمها وحقيقة اسرائيل، وتتمسك بموقفها الإنساني تأييدا لخلاص الفلسطينيين من هذا "الكابوس"، الذي مثل دور الضحية لأكثر من قرن من الزمان، فجاءت أحداث غزة الأخيرة لتظهره بكل الوضوح الذي لا يترك مجالا لأي شك. هذا التضامن الذي قام به أفراد في الماضي (ريتشل كوري مثلا)، تقوم به الملايين في أمريكا وأوروبا ومختلف بلدان العالم هذه الأيام.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :