القانون والإعلام والمجتمع
د. أشرف الراعي
27-11-2023 01:23 PM
يرتبط القانون بالإعلام وبالمجتمع ارتباطاً وثيقاً؛ حيث تعد حرية الرأي والتعبير من أهم الحقوق المتعلقة بحياة الإنسان، وكرامته، وآدميته، وقد نصت على هذه الحرية مختلف الدساتير، والتشريعات الداخلية، والمواثيق، والعُهودٍ الدولية، وحرمت الاعتداء عليها، ومصادرتها، وانتهاكها ليعيش الإنسان حراً آمناً في مجتمعه، وليمارسها الإنسان عبر العديد من الوسائل والطرق التي نصت عليها هذه التشريعات، ومن أبرزها وسائل الصحافة والإعلام من صحف، ومجلات، وتلفزيونات، وإذاعات، ومطبوعات، ومنشورات، وغيرها.
واليوم لم تعد هذه الوسائل هي الوسائل الوحيدة للتعبير عن الرأي، لا سيما مع التطور التقني الهائل الذي شهده عالمنا المعاصر؛ مما دفع إلى ظهور المواقع الإلكترونية الإخبارية التي أصبحت تعامل معاملة الصحف والمطبوعات وفقاً لقانون المطبوعات والنشر الأردني والعديد من القوانين المقارنة، أو الصفحات الرقمية (Digital Platforms)، ومواقع التواصل الاجتماعي المُختلفة مثل (Facebook, Twitter, Snapchat, YouTube) وغيرها من المنصات الإخبارية، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، والتي تنتمي لما يُسمى بـ "الإعلام الجديد".
هذه الصفحات الرقمية تعمل على بث الأخبار، والمعلومات، والبيانات بسرعة لاجتذاب أكبر عدد من المُتابعين، والمُعجبين (Fans)، لكن ذلك يمكن أن ينطوي في بعض الأحيان على انتهاك للعديد من النصوص القانونية مثل استخدام بعض أساليب التشهير سواء بالأشخاص الطبيعيين، أو المعنويين، وكشف أسرارهم الشخصية، والاعتداء على معلوماتهم الخاصة، أو الذم أو القدح أو الابتزاز أو بث معلومات وبيانات غير صحيحة بحجة "حُرية الرأي والتعبير" مما يمثل خطراً على المجتمع وأركانه، وتطبيق القانون فيه.
ومن هنا، يمكن القول إن النظم القانونية عرفت سابقاً الحماية الدستورية والجزائية للحق في حرية الرأي والتعبير، كما عرفته المعاهدات والمواثيق الدولية وانعكس ذلك في العديد من النصوص والتشريعات القانونية الجزائية المختلفة والتشريعات الناظمة للعمل الإعلامي والصحفي، لكن التطور الذي حدث على وسائل الصحافة والإعلام وعلى البيئة الرقمية وظهور المنصات الإلكترونية أثار مشكلات عدة في ماهية التشريعات والنصوص القانونية المُطبقة، وحدود تطبيقها على الصحفيين والإعلاميين والناشطين الرقميين، ومدى انطباق القوانين المتعلقة بالمطبوعات والنشر على هذه الوسائل جميعها؛ وما هو الحد الفاصل لانتقاد الأشخاص خصوصاً ممن يعملون في العمل العام كالوزراء، والمسؤولين، والبرلمانيين وغيرهم من السياسيين الذين يخضعون أصلاً لرقابة وسائل الصحافة والإعلام المختلفة التقليدية، والحديثة، ما أثار تساؤلات حول حق الإعلاميين والصحفيين والناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على المعلومات، ونشرها، وبثها، وصفتهم القانونية في ذلك.
مناسبة هذا الكلام، أن هذا الأمر على أهميته اليوم وانطلاقاً من إيمان شخصي بضرورة أن يكون مرجعاً، فقد قررت بأن أطلقه مرجعاً أكاديمياً وهكذا كان بالتعاون مع دار الثقافة للنشر والتوزيع المتخصصة في الكتاب القانوني؛ حيث جاء هذا الكتاب لمناقشة وسائل الصحافة والإعلام وعلاقتها بالقانون والمجتمع بصورة عامة، في ظل ما تُعانيه المكتبة العربية عموماً والأردنية بشكل خاص من قلة الأبحاث والمراجع التي تتناول هذا الموضوع، خصوصاً بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية التي غزت المجتمعات العربية والعالمية بصورة عامة، فضلاً عن كون حرية الرأي والتعبير تتعلق بخصوصية الإنسان وآدميته وكرامته، والتي تعتبر مقياساً لتقدم الدول وتطورها، بعد أن تطورت هذه المفاهيم بصورة كبيرة نتيجة للتقدم العلمي في مجال وسائل الصحافة والإعلام وشبكة الإنترنت والشبكة المعلوماتية والحوسبة السحابية والمعلومات التقنية، والمنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
ناقشنا في هذا الكتاب بإسهاب التعريف بالقانون وخصائص القاعدة القانونية وتقسيمات القانون ودوره في تحقيق الحماية المجتمعية ومسؤولية وسائل الصحافة والإعلام سواء في الحياة العامة، أو في الحفاظ على خصوصية الأفراد، والبحث في التشريعات القانونية الناظمة لحقوق الأفراد والمجتمعات كقانون المطبوعات والنشر وقانون الجرائم الإلكترونية وقانون العقوبات وغيرها من القوانين الأخرى ذات العلاقة ومقارنتها مع التشريعات في العديد من الدول الأخرى، معتمدين على المنهج الوصفي وذلك من خلال وصف مفهوم حرية الرأي والتعبير والحرية الصحفية وحرية الناشطين الرقميين والنصوص الدستورية والمواثيق الدولية والنصوص القانونية والأحكام القضائية التي تناولتها والحماية الموضوعية لها، ونطاق الحماية الإجرائية لها كذلك.
كما اعتمدنا المنهج التحليلي في تحليل النصوص التشريعية في هذا الشأن، وتبيوبها بشكل منهجي سليم يوضح الجوانب القانونية لها في النظام القانوني الأردني، إلى جانب المنهج الاستنباطي، وذلك عبر استنباط وبناء مفاهيم واضحة ومحددة للمصطلحات القانونية الواردة في هذا الكتاب وإبرازها ليشكل مرجعاً للطلبة والباحثين والمختصين، في أربعة فصول؛ نناقش في الفصل التمهيدي منها المفاهيم العامة، فيما تناولنا في الفصل الأول مسؤولية وسائل الصحافة والإعلام تجاه المجتمع، وبحثنا في الثاني مسؤولية وسائل الصحافة والإعلام تجاه الأفراد، وناقشنا في الثالث النطاق الإجرائي لمحاكمة الصحفيين والإعلاميين والناشطين الرقميين... والله نسأل أن يشكل إضافة قيمة للمكتبة القانونية وأن يسهم في تعزيز هذه المعرفة ويخدم الصحافيين والإعلاميين والطلبة والعاملين في الحقل القانوني.