أؤمن بشدة، أن مُجمل خطابات جلالة الملك التي ألقاها في المناسبات المحلية والعالمية وبكل ما احتوت عليه من رسائل ذات قيم عظيمة في مدلولاتها، تعد نافذة كفيلة بالوصول بأبنائنا وبناتنا إلى ما يتطلع إليه القائد بأن يكونوا جيلًا مُلمًا بقضايا وطنهم والتحديات التي تواجه ويقفوا على حقيقة الرسالة التي نهض بها في خدمة بني البشرية وتعظيم الجوامع ونبذ الفوارق أنّى كانت مصادرها، وبالتالي فإن مراجعة شاملة لكلمات وعبارات ومضامين قالها الملك في كلمة هنا وخطاب هناك، لا شك أنها ستقود إلى إطار ورؤية شاملة حري بالمؤسسات الوطنية المعنية بتربية النشء وإعداده إعدادًا سليمًا قويمًا متكاملًا، أن تتبناها وتشرح معانيها وأهدافها فتؤسس لقاعدة راسخة من التربية الوطنية التي ما زالت تراوح جوانب نظرية وكان ذلك هو السبب – تقديرًا – في إخفاق مساقات التربية الوطنية في الجامعات الأردنية في تحقيق أهدافها وغاياتها.

اليوم أتوقف مع القُرّاء وأوجّه الشباب والشابات لإعادة قراءة مضامين مقولة جلالة الملك عبدالله الثاني المعنونة بها مقالتنا (علينا أن نُعظّم صوت الاعتدال) التي أقتبسها من خطابه في الجلسة العامة للدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن والعشرين من أيلول لعام ألفين وخمسة عشر، وكم كانت المقولة لافتة لم يات بها جلالته عبثًا بقدر ما كان يقصد ويعني فيها كل ما نشأ عليه وتعلمه ويؤمن به في عقيدة فكره السياسي الهاشمي القائم على التسامح والرحمة والاعتدال وصيانة كرامة الإنسان، وكل ذلك تجسيدًا لإيمان جلالته بأن الجوامع بين الناس من أتباع كافة الأديان هي أعظم بكثير من الفوارق، وذلك الأمر جلي عندما يتمثل في القيم المشتركة، التي نؤمن بها، من محبة وسلام وعدل وتراحم، مصداقًا لقوله عز وجل «ورحمتي وسعت كل شيء».

صوت الاعتدال والابتعاد عن التطرف ونبذ تيارات الهدم والتكفير والقفز عن مفردات الطائفية والإقليمية، وتعزيز قيم التواضع والمحبة، مسائل كانت ولا تزال مفصلية بل إنها شكلت أحد أبرز ثوابت خطابات جلالة الملك ونداءاته المتكررة للعالم إذا ما أراد أن يسلك طريق العيش الآمن والمطمئن بأمن وسلام ويعطي الأولوية للتعاطف مع الآخرين والتعاطي معهم على قاعدة الاحترام المتبادل، فهذه القواعد وكما يعملنا جلالة الملك هي التي توحد العالم وتزيده قوة ومنعة لأنها أساس كل دين، وأستذكر هنا مقولة من خطاب جلالته في حفل الإفطار والدعاء الوطني في الثاني من شباط لعام 2017 حيث قال (إننا بحاجة إلى تجديد الروابط التي تجمعنا كجيران في هذا العالم. وذلك بالتركيز على الجوامع وتجاوز الفوارق، والوقوف معا لإنجاز هذه المسؤولية).

إن بناء الولاء والانتماء في نفوس الناشئة أمر ليس هيّنًا على نحو ما قد يعتقد البعض، إنما هو بحاجة إلى جهد وتعاون مكثف بين جهات ومؤسسات تعليمية وحكومية وهيئات مجتمع مدني، وأنا أجزم بأن التركيز على مثل هذه النواحي القيمية والروحية والإنسانية التي يؤكد عليها جلالة الملك في خطاباته، وإذا ما وجدت جهدًا حقيقيًا وتم العمل على تجميعها وتحليلها ومعرفة أبعادها، ستكون بمثابة مادة قام الملك على إعدادها وقدمها جاهزة ليتشرب أبناؤنا وبناتنا ما جاء فيها، وعندها فقط سنقول أننا تمكنا من تحصين هذا الجيل بأدوات فكرية ذات مضامين رفيعة الشأن تجعلهم يؤمنون بوطنهم ويرفضون دعوات الغل والكراهية التي لا شك أن هناك من يحاول بثها فيهم من أجل إحباطهم وثنيهم عن دورهم خاصة في ظل هذا الوقت الذي نشهد فيه تحديات ماثلة من هنا وهناك.

الرأي