الهوية الإنسانية الأردنية
د. نهلا المومني
26-11-2023 12:28 AM
في العشرين من الشهر الحالي دخل المستشفى الميداني الأردني الثاني قطاع غزة المحاصرُ حربا وألما وظلما وتحديدا الى خان يونس، وهو أول مستشفى يدخل القطاع بعد العدوان الذي يشنه الكيان المحتل عليه منذ السابع من شهر تشرين الأول.
يأتي دخول هذا المستشفى الميداني الثاني بعد قصف تعرض له محيط المستشفى الأردنيّ العامل في قطاع غزة وهو أمر له دلالات عدة لا بدّ من التوقف عندها؛ فالقصف لم يثن الأردن عن أن يبقى حاضرا في الميدان، هذا الحضور الذي يأتي مؤازرة لمعاناة شعب أرهقه الحصار وغير ملامحه العدوان وما رافقه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
لم يقف الأمر عند ارسال المستشفى الميدانيّ بل كانت المرافقة الملكية المتمثلة في مصاحبة الأمير الحسين بن عبدالله للفريق الطبيّ من الخدمات الملكية الأردنية إلى مطار العريش في مصر والاشراف على عملية تجهيز وادخال المستشفى، رسائل أردنية ذات دلالات واضحة للعالم بانّ الموقف الأردني رغم قصف محيط المستشفى الأردني لم يتغير أو تهتز مضامينه؛ فالعدوان ما يزال آثما، والانتهاكات الإسرائيلية هي انتهاكات قبل كلّ شيء للقيم الإنسانية المشتركة ومحاولة لإبادة شعب بأكمله وتهجيره قسرًا لن يقف الأردن أمامها مكتوف الأيدي.
في الواقع وفي ظل هذا المشهد الأردنيّ المشرف وبرغم ألم هذه الأزمة الإنسانية التي مررنا بها جميعًا وما نزال إلا أننّا استطعنا إعادة اكتشاف ذواتنا من جديد
وما حدث كان فرصة ليتعرف الجيل الصاعد على هويته الأردنية؛ ما حدث وما قام به الأردن في ظل عدوان صمت العالم أمامه أو يكاد يجعلنا ندرك أنّ الهوية لها أبعاد أخرى لا نجدها عند شعوب كثيرة، فالجذور الإنسانية المتاصلة والحضارة التي تبنى في عمق الإنسان والأخلاق التي تنشأ عليها الدول هي المحرك في التعاطي مع الأحداث من حولنا.
أدركنا مجددا أن الحضارة والهوية الإنسانية لا تقاس بعدد السنين والمباني الشاهقة ورأسمال وسلاسل المطاعم الشهيرة وغيرها ؛ فهي لم تكن يوما قادرة على بناء مفهوم الإنسان. أدركنا مع هذا العدوان أنه يمكن لدولة كالأردن أن تقف في وجه آلة الحرب بإنسانيتها ورسائلها إلى العالم وأنّ تغير من الموقف الدولي ولو خطوةً واحدة، وأن تكون أول الحاضرين بضميرها لندرك ولو قليلا أن في العالم مكانًا ما يزال بخير.
هذه الأزمة وما كشفته عن الأردن وعمقه الإنساني والأخلاقي يتوجب أن يكون بوصلة لإعادة تعريف الهوية الأردنية وتدريسها وزرعها في نفوس النشء، فالأردن بعمق هويته ضمير إنساني حيّ، ينبذ الظلم والطغيان، ويعلم جيدا «أنّ الله جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بيننا وبينه».
الغد