حرب غزة وتسويق المصطلح الإعلامي الإسرائيلي
باسل النيرب
25-11-2023 03:35 PM
منذ بدء حصار قطاع غزة 2006، وفرض سياسية العقاب الجماعي على سكان القطاع ، وامتناع المجتمع الدولي عن ممارسة أي ضغط على "إسرائيل" لرفع الحصار؛ أصبح المجتمع الدولي مشاركاً ويتحمل مسؤولية عزل وشيطنة غزة وسكانها رجالاً ونساءً وأطفالاً، كما لم تلتفت تقارير منظمات الأمم المتحدة إلى جرائم الحرب التي اقترفتها "إسرائيل" ضد المدنيين في غزة خلال تنفيذها عمليتي "الرصاص المصبوب" 2009 ، "الجرف الصامد" 2014 ، وما قبلها والاكتفاء بإبداء تحفظات حول "تناسبية ردود الفعل الإسرائيلية" مع اعتباره اعتداءات من قبل حماس.
حالة الإفلات من العقاب، والرفض لوقف الهجمات "الإسرائيلية"، صاحبها حملات علاقات عامة لتسويق المصطلح "الإسرائيلي" عالمياً وعزز لدى "الإسرائيليين" يقيناً بعدم وجود حدود لما يمكن فعله في غزة، وفي ظل عدم وجود أي محاسبة لما تقوم به "إسرائيل" بكل الإمكانيات العسكرية والتكنولوجية بدءً من استعمال الأسلحة الكيماوية المحرّمة مثل الفسفور الأبيض، واستخدام المدنيين كدروع بشرية، وإطلاق النار في مناطق ذات كثافة سكانية عالية جداً، وزرع أدوات تجسس عالية المستوى.
بداية لابد من توضيح أن "وزارة الدفاع الإسرائيلية"، أعلنت إن إجمالي صادرات الأسلحة للعديد من الأسواق حول العالم بلغت 12.5 مليار دولار العام 2022 كانت ربع العقود الموقعة مع الجيوش الأجنبية مخصصة للطائرات بدون طيار الهجومية، والمخصصة لجمع المعلومات الاستخبارية، كما وقعت حوالي 120 شركة "إسرائيلية" مئات من عقود البيع الجديدة مع دول في جميع القارات، بعضها "صفقات ضخمة" مثل بيع نظام الدفاع الجوي "السهم 3" إلى ألمانيا.
وبلغ حجم الصادرات الدفاعية الإسرائيلية للدول العربية، في إطار الاتفاقيات الإبراهيمية، 3 مليارات دولار تقريباً، 25% أنظمة طائرات بدون طيار، و19% قذائف وصواريخ وأنظمة دفاع جوي، و13% أنظمة رادار وحرب إلكترونية، 10% أنظمة مراقبة وإلكترونيات ضوئية، و6% تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأنظمة الاتصالات، وأدوات خاصة بالحرب السيبرانية و5% طائرات وإلكترونيات الطيران وسائل رماية وإطلاق ومركبات عسكرية، و4% ذخيرة، و1% أنظمة بحرية وخدمات متنوعة.
من ناحية تسويقية هذا البيع لم يكن ليتم لولا الاختبارات التجريبية التي تجريها اسرائيل على هذا النوع من الأسلحة، وهو ما نشهده من حروب إسرائيل المتكررة على قطاع غزة والضفة الغربية، خاصة وأن إسرائيل حولت غزة إلى مختبر مفتوح لشتّى أنواع التجارب، ونافذة متجرٍ لبيع التكنولوجيا والسلاح تتبضّع منه دول العالم، بعد أن جربت إسرائيل كل أنواع الأسلحة على غزة لتطوير جميع أنواع التقنيات والاستراتيجيات الجديدة المرتبطة بصناعات الأمن الداخلي المزدهرة جداً في الغرب.
سمح الحصار على سكان غزة، بإجراء جميع أنواع التجارب على المحاصرين؛ فكان لإسرائيل أن تجرب كيفية احتواء السكان بشكل أفضل، وأن تتأمل في نوعية القيود التي يمكن وضعها حتى على غذائهم وأدويتهم وأسلوب حياتهم، ثم أن تستكشف كيفية تجنيد شبكات المخبرين والعملاء، وأن تدرُس تأثير حصار السكان والقصف المتكرر على العلاقات الاجتماعية والسياسية، والسؤال الأهم كيف يمكن لها إبقاء سكان غزة تحت السيطرة وتجنب انتفاضهم.
حرب غزة 2023 لا تختلف كثيراً عن إلقاء الولايات المتحدة قنابل نووية على "هيروشيما" و "ناغازاكي"، وحرق القوات البريطانية والأمريكية لمدينة "دريسدن" الألمانية بقصفها بالقنابل شديدة الانفجار والقنابل الحارقة في فبراير 1945، خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية تحت صيغة الانتقام من المدنيين على الجهة المعادية وتدفيعهم الثمن، وهذه الحالات الثلاث تتجاوز معايير القانون الدولي ومماثلة تماماً لمجموعة القوانين التي كُرست في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولكن ما يحدث في غزة الآن عقاب الجماعي حتى في أوقات "الهدوء" يتم منع سكان غزة من أبسط الحريات مثل حق التنقل والحصول على رعاية صحية لائقة بسبب منع الأدوية والمعدات الطبية عنهم، كما الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والكهرباء.
إسرائيل نفسها لم تخفِ يوماً حقيقة أنها تعاقب سكان غزة بحشرهم في "غيتو" شديد الازدحام مسلوب الحقوق، وما تفعله إسرائيل هو ممارسة "العقاب الجماعي" الذي هو أصلاً "جريمة حرب"، لم يلقى المجتمع الدولي لها بالاً، فنتنياهو يعرف أنه عندما يقول لسكان غزّة أخلوها الآن أنه ما مِن مكانٍ يستطيعون الإخلاء إليه هرباً من الصواريخ.
صمت المجتمع الدولي واستمرار إسرائيل في عدوانها على المدنيين في غزة هو مراجعة للقانون الدولي، فتكرار الفعل والصمت المطبق عالمياً وعربياً عن الأفعال المحظورة أصبح على مدار 17 عاماً فعلاً مباحاً بعد أن تبدلت المصطلحات واختلفت في طريقة التعامل بالنظر إلى حرب أوكرانيا.
فما كان في الأمس مدان أصبح اليوم عملاً دفاعياً، فعندما أدان مجلس الأمن العام 1981 الهجوم على المفاعل النووي العراقي ووصف أنه عمل حربي؛ أصبح اليوم عملاً دفاعياً وقائياً لأن القانون الدولي اليوم، فمن خلال حرب العلاقات العامة وإعادة تفسير المصطلحات استطاعت إسرائيل تطوير طرحها حول ما يسميه الحرب على الإرهاب بالشكل الحالي.
فمثلاً أدخلت إسرائيل في سياق تطويرها للقانون الدولي، مفهوم الإنذار المسبق، أي إشعار المدنيين بالقصف أحياناً، وقبل بضع دقائق فقط من تدمير مبنى أو حيّ. هذا الإنذار يتيح إعادة تصنيف من بقي من المدنيين لأي سبب من الأسباب، وخاصة المدنيين الذين هم في وضع هش ككبار السن والمرضى والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، كأهداف مشروعة كونهم لم يخلوا المكان في الوقت المحدد.
وهنا لا مكان للمجاملات القانونية وفق معايير القانون الدولي المستحدث، فالأطفال الأسرى والمعتقلين يطلق عليهم ما دون الـ 18 عامًا، والفلسطينيين حيوانات بشرية، و الحصار الكام" كما وصفة "يوآف غالانت"، وزير الدفاع الإسرائيلي الذي كان القائد العسكري المسؤول عن غزة 2009، الذي قال بعبارات واضحة: "لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود – كل شيء مغلق"، أي "الحصار الكامل" على غزة، يُسمّى "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" ، وحالة العقاب الجامعي وجدت لها تجاوبًا من خلال الإشادة بسياسة إسرائيل الحليمة والتي وصفت بــ "ضبط النفس" و"التناسب في الرد"، وهي المراوغة التي يستخدمونها لإخفاء خرق القانون الدولي،
متناسين أن إسرائيل دفنت عملية السلام علنياً وعملياً منذ سنوات.
ضمن التعامل المزدوج أدانت رئيسة المفوضية الأوروبية الضربات الروسية على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا باعتبارها جرائم حرب قائلة "قطع المياه والكهرباء والتدفئة عن الرجال والنساء والأطفال مع قدوم الشتاء – هذه أعمال إرهاب خالصة... وعلينا أن نسميها ذلك"، ولم تقل شيئاً "فرانشيسكا ألبانيز"، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي المحتلة، عن التدمير الأفظع للبنية التحتية الفلسطينية في غزة، ووضعت "أورسولا فون دير لاين"، رئيسة المفوضية الأوروبية، العلم الإسرائيلي في البرلمان الأوروبي، مذكّرة أن "أوروبا تقف إلى جانب إسرائيل"، وكل ما صدر من بيانات يطالب باحترام "الاحتياجات الإنسانية" لغزة كجزء من وجوب احترام "إسرائيل" لقواعد الحرب وفق القانون الدولي.
ما يفعله المجتمع الدولي بكل اقطابه هو النظرة الرومانسية لإسرائيل ويعطي حياة كل طفل إسرائيلي أهمية أكبر من تلك التي يوليها لحياة أي فلسطيني،
الإسرائيلي متوحش وهذا ظاهر منذ احتلال فلسطين 1948، وهناك جملة من الأفعال على المستوى الإعلامي لتثبيت المصطلح "الإسرائيلي"، حيث عمدت الآلة الاعلامية "الإسرائيلية" على ترويجها في مختلف المنصات الاجتماعية والإعلامية والمحافل الدولية.
العالم في الأمس واليوم وغدًا لا يفهم إلا لغة القوة ومن حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن حقوقه المشروع والدفاع عن أرضه في أي مكان وأي زمان وتحت أي سماء، وجريمة الإبادة الجماعية في غزة أمام مرأى العالم تُقابَل بصمت، وتواطؤ والتبني والدعم الصريح والعلَني والواضح من قبل الغالبية الساحقة، فالمعركة قانونية في مختلف المحافل الدولية، وعسكرية على الأرض والمنتصر فيها نحن أصحاب الحق والأرض الشرعيين.