الهدنة ( الصفقة ) من المسافة صفر
صالح الشرّاب العبادي
24-11-2023 02:25 PM
بعد ما يقارب الشهرين وبعد ان تم استشهاد واصابة وجرح وحرق ٥٠ الف من المدنين العزل منهم ١٣ الف شهيد نصفهم من الاطفال وثلثهم من النساء وتدمير الأعيان المدنية الطبية والتربوية والاجتماعية والثقافية والبيوت والابراج ..
تم الاتفاق على صفقة تبادل الاسرى برعاية عربية وامريكية ..
تلك الصفقة التي بدأت المباحثات فيها من اول اسبوع للحرب وانتهت بعد سبعة اسابيع ، حيث كانت دولة الاحتلال ترفض حتى الحديث عنها او قبولها معتقدة انها ستحقق اهدافها المعلنة الا وهي القضاء على حماس وتحرير الاسرى ، ولكن مع امتداد النزاع وتوغل القوات الاسرائيلية داخل شمال غزة ، واجهت مقاومة عنيدة صلبة كبدتها خسائر في الارواح والممتلكات القتالية العسكرية الاسرائيلية بقدر اجبرها على قبول الصفقة صاغرة منكسرة ، بغض النظر عن الاعمال العدائية الانتقامية التي قامت بها رداً على ما قامت به المقاومة في السابغ من اكتوبر.
في الميدان انتصرت المقاومة وصمدت بشكل ابهر العالم بل ان مجريات الحرب واسلوب التعامل مع قوات العدو المهاجمة وطرق التعامل مع المعدات القتالية هي دروس عسكرية للحروب الخاصة واجزم ان المعاهد العسكرية في دول الاقليم قد بدأت تبحث في التغذية الراجعة والدروس المستفادة من هذه الاساليب ومعرفة عمليات التكتيك العملياتي واسلوب الحركة والتستر والتخفية وضرب الهدف وتدميره والعودة ، وطرق سر تفادي الكشف عن تجمع القوات وطرق خروجها ودخولها .
في الجانب الدبلوماسي فان قيادات المقاومة خاضت مباحثات دبلوماسية ومفاوضات كبيرة خلال مدة الحرب وكانت لا تهمل اي وقت من اجل الخروج والدخول في مفاوضات صعبة معقدة من اجل وقف العدوان وعمليات تبادل الاسرى مما اعطاها قوة الظهور والخضوع للتفاوض معها .. وهذا يعطي دلالة على انه يمكن ان يكون لها دور فاعل في اي حلول مستقبلية .
في الجانب الإعلامي ، لعبت المقاومة دوراً اعلامينا فاعلاً ومؤثرًا جداً سواءاً في الاعلان الدوري للناطق الرسمي الذي كان ينتظره العالم اجمع من اجل الاستماع اليه ، او تصريحات القادة لديهم والحديث عن سير العمليات ، علاوة على التصوير الدقيق لعمليات القنص للقوات والمعدات والتي هزت الكيان الاسرائيلي مما جعلها تتخبط في التصريحات مما كان له اكبر الاثر على الجانب النفسي وزيادة الضغط الداخلي ، مع ان اسرائيل في قتلها الممنهج للشعب واحتلالها للارض وتفوقها في ذلك قاصدة تحطيم المقاومة نفسياً واجبارها على الاستسلام من جراء قتل الجموع النازحة والتي ابيدت وخاصة الاطفال ، وهذا احد الاسباب الرئيسية التي اجبرت المقاومة على التفاوض من اجل الهدنة الموقتة وتبادل الاسرى وهو سبب ذو مغزى انساني من موقف قوي ، الا ان حكومة العدو كانت اكثر استعجالاً وتشبثاً لاتمام هذه الصفقة لما لحق بها من خسائر معلنة وغير معلنة .
في الجانب الاستخباراتي فشلت اسرائيل في العمل الاستخباراتي فيما يخص المقاومة و نوعية اسلحتها واسلوب قتالها كما فشلت في البداية اثناء هجوم المقاومة في السابع من اكتوبر ، والفشل كان واضحاً في تصريحاتهم اليومية للناطق العسكري والذي كان يحاول اقناع العالم بوجود عناصر وقيادات المقاومة في المستشفيات الطبية والتربوية ثم لا يلبث ان يعود بكلامه والحديث عن الاسرى وكيل الاتهامات الى حماس ..
كان لتاثير الحرب على غزة للداخل من الجانبين ، فان الداخل الاسرائيلي كان متشرذم مختلف مفكك وكان هذا التناقض من المواقف واضحاً جداً بين القيادات السياسية والعسكرية والامنية ، علاوة على الانتقادات الحادة جداً للمعارضة داخل اسرائيل والذي فحواه ان قبول الصفقة هو انهزام وهذا ما حدا بنتنياهو ان اعلن ان الحرب مستمرة وان الاهداف يجب تحقيقها بغض النظر عن قبول الصفقة.
اما المقاومة فان ردة فعل الشعب هناك بغض النظر عن المآسي التي حلت ببعضهم الا انهم اعتبروا ذلك انتصاراً لهم وهو كذلك بشكل عام اذا ما اخذنا بعين الاعتبار طرفي النزاع في كل خصائصه المعروفة .
نعم ، تم عقد الصفقة في اوج مواجهة المقاومة والقتال وجهاً الى وجه مع قوات الاحتلال الاسرائيلي في جميع محاور الصراع في شمال غزة ، وكذلك في تلقي القوات الاسرائيلية ضربات موجعة ادت الى خسائر لم تكن تتوقعها .
من جانب اخر ، لم تتوقف ضربات المقاومة في عمق الاراضي الفلسطينية المحتلة وليس كما كان يعتقد العدو انها اجهزت على الاسلحة طويلة المدى وانها قد اخمدت قوة المقاومة وانها أمنت غلاف غزة بل على العكس كانت الضربات قبل قبول الصفقة نوعية من اكبر الهجمات الصاروخية حتى وصلت الى عمق تل ابيب.
عقدت الصفقة فهل سيتم التقيد بها ، وخاصة ان جيش إسرائيل يحتل ثلث من غزة ومسيطرة على جميع المداخل والمخارج والمناطق الحيوية والمهمة مع سيادة جوية مطلقة واسناد بحري وقوات احتياط متوفرة .. في غلاف غزة . ..
أخيراً اعتقد انه سيكون هناك التزام من الطرفين لبنود الصفقة وذلك لرغبة اكيدة لدى الطرفين في التوقف واعادة حساباته وتحسين مواقفه والتخفيف من حدة الضغوط الداخلية والخارجية ، مع اعتبار ان القوات الاسرائيلية لن تتردد في مراقبة كل من يتحرك من الجنوب الى الشمال هذا اذا لم تمنعهم من الدخول خوفاً من استغلال ذلك من قبل المقاومة ..
ومن المحتمل ان يكون هناك تمديد وصفقات تتبع . وقد بدأت بالفعل في هذه الاوقات الاتصالات والضغوط من اجل قبولها من قبل طرفي النزاع ، مع تصاعد الضغوط الدولية على قبولها واستمرار الوساطة ، حيث انه في حال ان فشلت هذه الصفقة وتم نقض بنودها من المحتمل ان تتوسع ساحات المواجهات ومن المحتمل فتح جبهات اخرى وخاصة جبهة جنوب لبنان .
هناك من يتساءل لماذا لم تكن الاردن طرفاً في الوساطة ، اقول ان الاردن كان وفي هذه الحرب بالذات منشغلاً بها بشكل كامل من قبل جميع درجات المسؤولية لديه ، الملك راس الدول الى الحكومة ، مجلس الامة الى الشعب كامل الى جميع مؤسسات الدولة العامة والخاصة وكانت لزيارات جلالة الملك الى اطراف الوساطة واتصالاته وموقف الحكومة والشعب الذي وقف بمظاهرات لم يقم بها اي شعب عربي ..
وهذا الدور المحوري الكبير له ثمن ، وثمن كبير جداً من مواقف الدول الغربية تجاه الاردن ، فهل هناك دولة عربية قامت بما قام به الاردن؟ .. الجواب ، كلا .