أقرّ مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها يوم أمس الأربعاء برئاسة الدكتور بشر الخصاونة، رئيس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامّة للسنة المالية ٢٠٢٤ ، تمهيداً لإحالته إلى مجلس الأمّة وفق الاطار الزمني وفي الموعد الدستوري لاستكمال الإجراءات الدستوريّة ، في حين أعلن وزير الماليَّة محمَّد العسعس تفاصيل مشروع القانون وملامح الموازنة العامة للعام المقبل ، وأكد بأن هذه الموازنة هي الرابعة للحكومة لعام ٢.٢٤ ، والتي لا تشمل رفعا للضرائب او الرسوم على التوالي وبأعلى انفاق رأسمالي في تاريخ المملكة ، وبين أنه تم رفع مخصصات الحماية الاجتماعية، وان مشروع الموازنة لعام ٢٠٢٤ سيترجم التوجيهات الملكية السامية للحكومة لتعزيز تقدم سير العمل في تنفيذ رؤية التحديث الإقتصادي كما أكد على الاستمرار الحكومة بمبدأ تعزيز الاعتماد على الذات في تغطية النفقات الجارية من الايرادات المحلية لتصل الى ٩٠%.
ان ما طرحه الوزير العسعس يظهر البيانات التفصيلية للموازنة ، اذ يحمل في مضمونه مؤشرات ايجابية للتغلب على مجمل التحديات التي تواجهها الحكومة فيما يتعلق بمقدرتها على تحقيق الايرادات ، فالحكومة اولا واخيرا معنية بضبط العجز الكلي في الموازنة وعدم زيادته ، وفي نفس الوقت اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتحفيز الاقتصاد ، وكذلك فان علينا متابعة المؤشرات والارقام التي تتضمنها الموازنة لضمان تحقيقها مع نهاية عام ٢٠٢٤ ، اذ ان من اهم ما اشار إليها وزير المالية أن الإقتصاد الوطني سيسجل نموًا حقيقيًا في عام ٢.٢٤ بنحو ٢,٦ % ونموًا اسميًا ٥,١%، وسيحافظ الاقتصاد على معدلات التضخم المعتدلة والتي تعتبر من أقل المعدلات في العالم مما يساهم في تعزيز الإستقرار المالي والنقدي وحماية القوة الشرائية للمواطنين ، وهذا يعزز منعة الاقتصاد الوطني بتثبيث التصنيف الائتماني الاردني من قبل وكالات التصنيف الائتمانية ، في وقت انخفض فيه تصنيف دول اخرى، اذ ان الفرضيات التي بنيت عليها الموازنة أخذت بعين الاعتبار تباطوء النمو العالمي بسبب الجهود العالمية المبذولة لخفض التضخم، كما اخذت بعين الاعتبار استمرار الوضع الاقليمي على ما هو عليه مؤكدًا على ان التطورات التصاعدية على المشهد الحالي اقليمًا سيتم التعامل مع انعكاساتها المالية وفقًا لمعطياتها.
اما في سياق تقديرات الموازنة العامة ، تضمن قانون الموازنة لعام ٢٠٢٤ إيرادات عامة بلغت نحو ١٩,٣ مليار دينار، بارتفاع مقداره ٨,٩ %عن عام ٢٠٢٣ ، وبذلك ترتفع الإيرادات المحلية لتصل إلى ٩,٦ مليار دينار، أو ما نسبته ١٠ % عن مستواها في عام ٢٠٢٣، نتيجة لارتفاع الإيرادات الضريبية بنحو ١٠,٢ % لتصل الى ٧,٢ مليار دينار دون فرض أية ضرائب جديدة او زيادة على الضرائب الحالية، كما ونبه العسعس ان الحكومة ستواصل سياستها وإجراءاتها في توسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب والتجنب الضريبي وتحسين الإدارة الضريبية ، الأمر الذي سيفضي إلى ارتفاع إيرادات ضريبة الدخل بنحو ٢٠%، وفي المقابل سترتفع إيرادت ضريبة المبيعات بنحو ٦,٤ % . كما تأتي الزيادة في الإيرادات المحلية نتيجة لارتفاع الإيرادات غير الضريبية بنحو ٩,٤ % لتصل إلى ٢,٣ مليار دينار ، اضافة الى توقع وصول المنح الخارجية إلى ٧٢٤ مليون دينار .
اما على صعيد النفقات الجارية فقد قدرت بنحو ١٠,٦ مليار دينار، والنفقات الرأسمالية بنحو ١,٧ مليار دينار، ليبلغ اجمالي النفقات العامة ما مقداره ١٢,٣٧ مليار دينار ، وأما بخصوص النفقات الراسمالية، فقد ارتفعت بنحو ١١,٨% عن مستواها في عام ٢٠٢٣ ، لتصل إلى نحو ١,٧٢٩ مليار دينار وهو الاعلى تاريخيًا، حيث شكلت مخصصات مشاريع رؤية التحديث الإقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام ما نسبته ٢٠,٢ % من هذه النفقات، في حين شكلت مشاريع الجهاز العسكري وجهار الأمن والسلامة ١٦,٩ %، ومشاريع تنمية وتطوير البلديات ومشاريع اللامركزية ١٨%، فيما شكلت مخصصات باقي المشاريع نحو ٤٥ % من اجمالي النفقات الرأسمالية.
وفق تلك المعطيات يكون مشروع موازنة عام ٢٠٢٤ قد نجح في خفض العجز الاولي وللسنة الرابعة على التوالي ما يمكن الحكومة من خفض العجز الأولي ليصل إلى ٨١٢ مليون دينار بنسبة ٢,١ % من الناتج المحلي الاجمالي مقارنة بـ ٢,٦% في عام ٢٠٢٣، وبهذا يتراجع اجمالي الدين العام بعد بعد استثناء ديون صندوق استثمار الضمان الاجتماعي إلى ما نسبته ٨٨,٣% من الناتج المحلي الإجمالي، لتواصل النسبة الهبوط التدريجي في السنوات القادمة إلى ٨٥,٧ % في عام ٢٠٢٦.
اننا نعي تماما ان الحكومة ماضية في برنامجها الاصلاحي ، لذلك فقد اعتمدت برنامج إصلاح جديد يقدر حجمه ب ١,٢ مليار دولار يمتد أربع سنوات سيعتبر وثيقة حماية من الصدمات الإقليمية التي سيتعرض لها الأردن وستحافظ على سياسته المالية والنقدية ، بعد اتفاق مع البنك الدولي ، وهو ما من شأنه أن يبعث رسالة ثقة للمستثمرين ويساعد في حماية الاقتصاد من التأثير السلبي للحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ، وسيساعد على التكيف على نحو أفضل مع وطأة ذلك ، وتعافي الأردن من تأثير الاضطرابات الاقتصادية العالمية بما فيها تداعيات العدوان على غزة، سيمكنه من المضي في النمو على الطريق المستهدف ليصل إلى ٢,٦% هذا العام .
إن هذه المؤشرات هي مؤشرات ايجابية وواضحة ، اذ سعت الحكومة لاتخاذ إجراءات تصحيحية مالية وإدارية قوية وشجاعة تجعل المصلحة الوطنية العليا للوطن فوق كل الاعتبارات ، في محاولات جادة نحو تدارك ايه سلبيات عالقة ، لقناعتها التامة أن العجز المتكرر والمتلازم سنوياً يدفع الدولة مرغمة للجوء إلى الاستدانة والقروض من البنوك الدولية والصناديق وبفوائد كبيرة تتضاعف عند عدم سدادها في الوقت المحدد وأحياناً كثيرة ما تفوق الفوائد وفوائد الفوائد قيمة القرض نفسه ، ما دعى الحكومة إلى توليد دوافع داخلية ومصادر مستدامة للتنمية ، والعمل على صياغة استراتيجيات وطنية للتنمية الاقتصادية بعيدة المدى انطلقت من رؤية وطنية موضوعية بالنظر إلى المشكلة الاقتصادية باعتبارها سبباً ونتيجة لمعظم المشكلات التي نعاني منها ، مع التركيز على توفير بيئة حاضنة للاستثمار وتعزيز مصادر النمو وتنويعها من خلال استغلال الموارد المتاحة وتلك غير المستغلة ، مع ضرورة البحث الجدي عن تنمية موارد إضافية ، وترشيد الإنفاق على المشاريع غير المنتجة ، واعتماد بعض السياسات التي تنمي المتاح من الموارد الطبيعية والسياحية ، وتعزيز مناخ الاستقرار لجذب رؤوس الأموال للمستثمرين ، وضبط إجراءات التصرف في المال العام وتعزيز إجراءات الرقابة الرسمية .
والله ولي التوفيق.