«الأواني المستطرقة» .. الماء فيها لا ينحني وكذلك الدم العربي
د. بسام الساكت
23-11-2023 12:29 PM
أطلق بليز باسكل في القرن 17، مفهوم الأواني المستطرقة في الفيزياءhe Law of Connected Vessels، وبأنها مجموعة من الاحواض المتصلة التي تحوي سائل متجانس. فعندما يستقر ذلك السائل، فانه يتوازن في كل الاحواض عند نفس المستوى والمنسوب بغض النظر عن شكل قعر الوعاء الذي يكون فيه الماء: مستوٍ، مقعر، محدب، به تضاريس. فسطح الماء لا ينحني/ وكذلك سطح الدم العربي المُسالْ فإن مستواه وألمه يصل الى بقية الاحواض والاوعية العربية والاسلامية. لذلك لا يُهدَرَ الدم العربي مجانا أبداً، ولا يُقْفَزَ فوق آلام اهله دون كلفة. تلك معادلة?قِيَمِيَّة يتناساها الغرب واعداء الأمة من نتانياهو وحزبه وغيرهم. فهم لا يدركون عمق الصلات التي زرعها الإسلام في الأمة العربية والاسلامية. فهي صلات قد تبدو للغير والاعداء باهتة، لكنها عميقة:
أولا: للأردن في الحرب اليوم، وقفة تأريخية أخرى مع إخوته الفلسطينيين بيضاء، هي جزء من جهاده الأكبر، هي وطنية نابعة من إيمانه بوحدة الأمة ووحدة المصير، فقاوم القتل والتهجير. فنحن نعتز ببلدنا الأردن ففيه فوائض معنوية كبيرة، رغم عجوزاته المادية.
ثانياً: أعادت الحملة العدوانية العنصرية إلى أذهان الشباب العربي أهمية الثقافة السياسية والاجتماعية والامنية بالحاضر وبالماضي وضرورة إعادة «المراجعة» في ثقافة الصراع في اقليمنا وبهدف تعميق الفهم بأمن الامة الوطني والجماعي، وترابط احواضه ليعود أمناً جماعياً، له قلب أكبر، ويحتضن جيلا تغرس فيه اكثر، معاني التضحية والفداء.
ثالثا: أسعدني قرار ملكي أول من أمس، متطابق مع قناعاتنا الاقتصادية والأمنية، باعتبار مشروع «الناقل الوطني أولوية قصوى». كنا قد أشرنا إليه ألاّ يأخذ مدة ثلاثين عاما كالبوتاسيوم، حتى يُنفَّذ. حقا أن حاجتنا اليه الان أكثر الحاحا وشفافية، بعد ان هددنا مسؤول اسرائيلي بتعطيش شعبنا حين أُوقِف مشروع الطاقة مقابل الماء في العقبة وإيلات.
ونتطلع بأمل الى إستجابة الممول العربي لأن يبادر بالتمويل المبرمج، لتنفيذ مشروع الناقل الوطني.
رابعا: أعادت الحملة العنصرية أهمية أن نفطنا ليس فقط في الحقول بل في العقول أولا. لقد استخدم الشباب الأردني–أحفاد رجال معارك باب الواد والكرامة، تقنية الاتصالات الرقمية للتواصل مع العالم ومع رفاقهم هناك. فقلبوا معادلة الصراع من «محدودية العسكر»، إلى نطاق مكمِّل أكبر, وهو الاعلام ونشر الحقائق لدى قطاع كبير في الشرق والغرب. فثقَّفَ وصحح ووسع دائرة الدعم وأحرج الخصوم. والدرس هنا تُملي ضرورة «التجميع المؤسسي» لهذه القوى الشبابية.
خامساً: فكما أن حوض الاعتدال والعقلانية مستطرق، إذ توحدت المواقف وبالذات مواقف الشعوب. وكذلك تعمَّق حوض الكراهية للمحتل. لقد نجح بروفسور العنصرية والكراهية والعنف، نتانياهو، في توسيع قاعدة البغضاء والكراهية له ولسياسة بلاده، وأبعد، ليس فقط عند العرب والمسلمين، بل تجاوزها إذ زرعها مجددا، عند جيل الأطفال والشباب العربي والفلسطيني، وعند الشرق والغرب. ذلك الجيل من الشباب العربي الذي أحسن الظن بالغرب وبالاعتدال من طرف واحد، لكنه الآن نزل إلى الشارع قناعة بفاحش الجرائم وعدالة المظلوم، وسوء سريرة غالبية المسؤلين ?لكبار في الغرب. فسقط أَمامَهُ، على المسرح المحلي والدولي، قناع إسرائيل مدعية الضعف والضحية والوداعة، وبرزت أنياب التوحش والعدوانية ونوايا التوسع. فخسرت الصهيونية قواعد عند الشعوب ومليارات دعائية منذ الحرب الكونية الثانية صرفت لتكريس صورتها كضحية. وخسرت بالعمق، هي وداعميها، لدى كتلة الاعتدال الرسمي في المنطقة العربية، وإن لم يفصح عنه كثيرا، كما وأحرجت دعاة الاعتدال عندها في الداخل ايضا. نعم خسرت اموالا واستثمارات وانتاج وسياحة، ستعوضها اميركا، لكن الاهم خسرت الشعوب وخسرت إستقطاب وقناعة المستوطنين وجالياتها ?لاستيطان والهجرة اليها. كما انتصرت ارادةُ النهوض الفلسطيني والعربي.
سادسا: نبه الاردن، وأحسن بشخص جلالة الملك والملكة، حين وضَّحَا للعيان والشباب، والعالم، كيف تستخدم «اللاسامية» سلاحا مكشوفا ضد العرب وكل من ينتقد إسرائيل. فالعرب مسلمين ومسيحيين ابناء سام الابن الاكبر لسيدنا نوح عليه السلام، هم الساميون فقط، وكذلك اليهود من بلاد النهرين والشام واليمن، لا اؤلائك الغالبية، فهم لا ساميين، يدينون باليهودية، فجذورهم من قزوين والخزر والغرب. فكيف يتهم العرب بأنهم ضد جذورهم السامية؟!. وأشار الاردن بقناعة الى أن مزرعة ومنبع الصراع والحروب على المنطقة هو الاحتلال. فهو الڤيروس، وإزال?ة اولوية ابتداء بوقف اطلاق النار.
سابعا: احسن الاردن بصبره على المكاره، وادارته لردود الفعل، واحسن التواصل مع العالم فقلب كثيرا من المواقف السلبية باتجاه الفهم لاسباب الصراع والحلول بِدأً بوقف القتال وتقرير المصير وحرية اهل فلسطين في دولة على ارضهم. فراجعت، بل صمتت اصوات إتهامية للاردن ذوات عدوانية وكُشِفت طوابير، ذلك قناعة بنجاعة ما يبذله الاردن، رغم قلّة اليد، في ميدان الدعم لغزة والضفة. إن بلدنا يدرك، وينادي بأن الحل لقضية اخوتنا الفلسطينيين ليس حلا.. منح واحتياجات بل حل يعيد حقوقهم، في دولة مستقلة.
ثامناً: نبه الأردن، مستعينا برصيد إعتداله، بمرارة الحدث والحملة العنصرية على الفلسطينين، نبه بضرورة وحدة الارض والتمثيل الفلسطيني لا التفرقة. فالتفرقة استخدمها نتانياهو مبررا ابتعاده عن السلام لغياب الطرف الفلسطيني الواحد. ذلك أن الانقسام والفتن الداخلية أشد خطرا وإيلاماً من القتل نفسه.
كما عمل الاردن، من خلال اتصالاته الاعلامية الواعية، على إفشال حملة نتانياهو العدوانية، وتأهيله وحكومته، للمحاكمة المنتظرة في إسرائيل والمحاكم الدولية.
تاسعا: أحسن الأردن بصبره على المكاره، وإدارته لردود الفعل، وأحسَنَ التواصل مع العالم فقلب كثيرا من المواقف السلبية باتجاه الفهم لأسباب الصراع والحلول بِدأً بوقف القتال، وتقرير المصير، وحرية أهل فلسطين في دولة على أرضهم. فراجعت مواقفها، بل صمتت أصوات اتهامية للأردن ذوات عدوانية وكُشِفت طوابير، ذلك قناعة بنجاعة ما يبذله الاردن، رغم قلّة اليد، في ميدان الدعم لغزة والضفه. إن بلدنا يدرك، بل وينادي بأن الحل لقضية اخوتنا الفلسطينيين ليس حل إحتياجات، بل حل يعيد حقوقهم، في دولة مستقلة.
وأخيرًا فإن إستدامة، بل رفع منسوب الدعم العربي لمواقف الأردن الوطنية الجريئة، يصب في صالح العرب جميعاً، ويحتاج الى تحرُّكٍ وتنسيق خاصة. فالأحداث الأخيرة ابرزت ثقل عبأ إسرائيل المتزايد،المعنوي والمادي على الغرب، وإن إسرائيل اليوم وجالياتها، هم في اقصى الحاجة إلى أميركا أكثر من حاجة المسؤولين الأميركان لهم ولصوت الناخب اليهودي عندها. لذا فالموقف العربي المُقْنِع المُوَحَّد مع الأردن، له فاعليته، الآن أكبر مما مضى. وألَّا يمر الوضع الراهن دون استثمار سياسي للفرصة.
الرأي