من خلال التعمق والتمحيص والنظر الثاقب في العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة الذي أعقب عملية طوفان الأقصى البطولية، ظهرت جليا في مخيلتي ساحرة فاتنة مجهولة تمثلها مقاومة فكرية والفكرة لا تموت اسمها غزة، ولأنها فاتنة أسقطت عن العالم أجمع أقنعته المستعارة التي اختبئ خلفها لعقود من الزمن وكشفت المستور عن بواطن الأمور؛ فيالحضورك يا غزة!! حتى حصارك فتح مبين.
عقود من الزمن عاشتها الأجيال في وهم كالسراب يحسبه الظمآن في البيداء ماء وما هو بذلك، مراحل من الزمن أعقبت الحرب العالمية الثانية تمخضت عن ولادة نظام عالمي جديد نظام يقوم على ثلاث أذرع الإمبريالية والليبرالية والعلمانية عززت مفاهيم التقسيمات القومية والأيدولوجية والدينية حتى فرقت الشعوب ليسهل إدارتها ونهب حقوقها وخيراتها. فاليوم كشف زيف الديمقراطية ذلك الوهم الذي رسم له ليكون أداة في إدارة الشعوب وتمكينها وما هو في ذلك، إنما كان خنجرا في خاصرتها وخير ترويضا لها للحد من ممانعتها.
اليوم الحزب الحاكم في واشنطن قطب هذا النظام يدعى الحزب الديمقراطي والذي ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان ونجد ما يحدث في غزة مخالف لذلك، فكما سقطت الديمقراطية في دول العالم الثالث من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه ها هي تظهر ضعفها وفشلها في الدول المتقدمة، فما شكل رأي الشعوب في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلا الزيف، فالمظاهرات والمطالب الشعبية في ساحات لندن وأمام البيت الأبيض وعند جدار برلين ومن باب الإنسانية تمثلت بطلب إيقاف العدوان على غزة ولم يقابل هذا المطلب إلا بالقمع.
فبعد أن مزقت الديمقراطية المزيفة التابعة لأيدولوجيات التقسيم القومي شعوب منطقة الشرق الأوسط في ما يسمى الربيع العربي وأضعفتها ساهمت في تفرعن هذا الوهم الصهيوني بدعم منقطع النظير من أقطاب هذا النظام العالمي بصورة خرقت كل عهوده واستراتيجياته السياسية التي سار عليها لعقود من الزمن كسياسة عدم الانحياز ومنع اعتداء دولة على أخرى بغير ذريعة والتوازن الدولي، لكن غزة اليوم بمقاومتها الإسلامية وشعبها البسيط الجبار تصدر صيحات في وجه هذا النظام الظالم لترتقي موجاتها الترددية لنزع هذه الأقنعة والكشف عن مخالبه السامة الفكرية التي بثها في أرجاء المعمورة، لتظهر للجميع دور جملة الفكر في التصدي والدفاع، فاليوم أهل غزة يدافعون عن أنفسهم بغير الحاجة لهذا النظام السام، فكل أدواته أصبحت عاجزة وعلى الجميع أن يتعظ فالشقي من اتعظ بغيره، فالقوة اليوم الاعتماد على الذات وبذل الغالي لروح الجماعة والألفة والتماسك الداخلي بعيدا عن لغة سياسة هذا النظام الازدواجية، بعيدا عن لغة السلام النسبية.
جملة الفكر الإسلامي الجامعة غرست في أذهان أهل غزة فشكلت سياجا متينا أمام كل العدة والعتاد الغربي المسلح بالتقدم التكنولوجي لتصمد بقوة ولتضرب لجميع الأقطار موعظة بليغة حكيمة بالمراجعة والبحث عن نقاط التعاضد، فاللغة وحدة والإسلام وحدة والعروبة وحدة، ومن يحسب نفسه بالفردية ناجيا سيقول أخيرا "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"..