قلت في "عمون" في العاشر من نوفمبر الحالي أن صفقة تبادل للأسرى وراء الباب، وأنه ليس بيد نتنياهو وجماعته سوى الانصياع لصفقة تحرر الحرائر والأطفال من سجون إسرائيل العفنة، وقلت إن الصفقة قادمة لا ريب فيها، وأقول اليوم أن الفرح سيدخل مئات البيوت من أهل فلسطين رغم مرارة الألم في غزة، والثمن ااباهظ الذي دفعه أهل غزة.
وأقول أن من يطلق على هذه الصفقة اسم "هدنة" خاطئ ومخطئ، إنها الوقفة الأولى لإطلاق النار، ليست هدنة إنسانية يتفضل بها نتنياهو على شعب غزة، إنها صفقة تبادل دفع ثمنها رغماً عن أنفه، إنها أحد مؤشرات فشله في تحقيق أهدافه. لم يستطع كسر حماس، فاوضها وعقد معها اتفاقاً، وافق على شروطها، وعلى إدخال الوقود، والغذاء، والدواء، والماء، بأحجام وكميات مضاعفة وأكثر، وتشمل شمال غزة كما جنوبها.
سيظل أهل شمال غزة في شمالها، ويعود إليها من هاجر، وأحد أسباب صمودهم في الشمال، كذب الجيش الإسرائيلي، وعدم وفائه بوعوده في أن يكون الجنوب منطقة آمنة، واكتشف الفلسطيني قبل فوات الأوان كذب إسرائيل وساستها، وفضّل نحو 90 ألفاً من أهل غزة أن يظلوا في بيوتهم في الشمال، نصر أو استشهاد.
ستتوقف طائرات إسرائيل عن التحليق في سماء غزة لمدة ست ساعات يومياً، لتتمكن المقاومة من استخراج الأسرى من أماكنهم دون رقابة جوية، وسيعود الجنود من غزة ليكشفوا لأهليهم عن جهنم غزة، وستتكشف خلال أيام وقف إطلاق النار، أعداد القتلى والجرحى في الجيش الإسرائيلي، وها هو مجلس الوزراء الإسرائيلي يجتمع للمصادقة على الصفقة، وسيصادق عليها، لأن البدائل العسكرية رغم إفراط القوة، فشلت فشلاً ذريعاً، ولم تستطع إسرائيل أن تفرض إرادتها بمئات أطنان القنابل، هدمت نصف غزة، وقتلت نحو 15 ألفاً من أهلها، 75 بالمائة منهم من الأطفال والنساء، ولم تصل إلى أسير واحد بكل استخباراتها، ومعونة الولايات المتحدة، وألفا، وبيتا، وغاما، لأن أهل غزة أدرى بشعابها من نتنياهو.
المخزي في الاعتداء الوحشي الغاشم، فشل الولايات المتحدة الأخلاقي التي أدانت استخدام الحرمان من الغذاء حرباً على أوكرانيا، فيما سمحت لإسرائيل تجويع أهل غزة، وسمحت للكلاب الضالة بنهش أجساد الشهداء الملقاة على أطراف الشوارع، وحرمت أطفال خدّج من الأوكسجين، والدواء، والغذاء، والرعاية الصحية اللازمة، ورغم كل ذلك انتصر الفلسطيني في رحلة التجويع والتعطيش، وها هي الصفقة التي جلبت للفلسطيني الماء، والدواء، والغذاء، والوقود، بمقاومته، بباسلته، وصموده، وصبره، وإيمانه بالله، وحقه في أرضه، وتقرير مصيره، ونقول "معلِش"، فداء لفلسطين.
سيتيح وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام لنشامى المستشفى الميداني الأردني أن يقوموا بعملهم السامي المشرّف في ظروف أفضل تسمح للطاقم بمداواة الجراحات، ليلتقط الشعب الفلسطيني أنفاسه على يد أشقائه الذين ذهبوا صوبه بكامل استعدادهم ورغبتهم في إنقاذ إخوانهم من أهل غزة.
هذه صفقة على طريق صفقة، وفرصة لتوقف المتحدث العسكري عن الكذب، ومنحه الوقت لاحتضان أسر المزيد من الضحايا، والصفقة هذه هي الخطوة الأولى لوقف دائم لإطلاق النار، وهزيمة مروعة لجيش الاحتلال، وفشل منظومات القوة العسكرية المتغطرسة المغرورة الحمقاء، وموت محقق لمستقبل نتنياهو السياسي وحكومته اليمينية المتطرفة.