تاريخيا لا يُعد التفوق العسكري العددي أو النوعي بوليصة أمان لإستمرار أي حضارة على المدى الطويل. وقد تكون معركة طوفان الأقصى خيرُ مثال عملي، و واقعي على هذا الإستنتاج التاريخي الذي لطالما برز جلياً لمن درسوا دورة حياة الأمم.
لقد إتخذ نتنياهو القرار الأسوأ في تاريخ إسرائيل منذ ُ النشوء، بالرد على هجوم المقاومة الفلسطينية بهجوم واسع لا يبقي ولا يذر شجراً أو حجر. ولعلهُ من خلال هذه المقامرة كان يحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه من ما تبقى لهُ من رصيد سياسي، أكثر من ما كان يحاول أن يدفع عن إسرائيل ويحفظها.
مع إقتراب إنتهاء رحى هذه الحرب وإنقشاع غبارها بات من السهل تصنيف المنتصر والخاسر، حيثُ لم تخسر إسرائيل المعارك على الأرض فقط بل خسرت المعارك الإعلامية، والسياسية، والأخلاقية. وقد دخلت إسرائيل هذه الحرب كالذئب الأعمى حيثُ أنها لم تختر لا توقيت ولا أرض المعركة، فخرجت منها كالذئب الجريح والأعمى وما هي إلا مسألة وقت حتى يختار القطيع قائداً أخر عوضاً عن الذئب المحتضر.
إن نتائج البعد الثالث لهذه المعركة تتركز في عوامل خارجية، وعوامل داخلية. أما العوامل الخارجية فهي أن تكلفة بقاء إسرائيل أصبحت عبئ على كل من يدعمها سواء أكان دولاً، أو كيانات تجارية أو سياسية، أو حتى أفراد. ناهيك على أن الإستثمار في إسرائيل بعد الحرب ومحاولة إعادة إحياء الأقتصاد الإسرائيلي كما كان، هو أشبه بحرق الأموال في مدفأة صدأة.
أما العوامل الداخلية فتتلخص في تهتك شبكة الأمن المجتمعي الاسرائيلي، فأولاً أننا سنجد مستوطنات بلا مستوطنين بعد هذه الحرب في تلك المناطق التي تسمى بغلاف غزة. وثانيا، إنعدام الثقة بالجيش الأسرائيلي سواء كان على صعيد حماية من خلفه من مدنيين، أو قصفه لمن يقع في الأسر من أبناء الجيش كالقطة تأكل أبنائها. وثالثاً، إنخفاض مستوى المعيشة في إسرائيل بعد الضربة الاقتصادية التي ستظهر معالمها جلية بعد أن تصمت المدافع، مما سيدفع بالكثير من اليهود بعد الحرب بالقيام بهجرة عكسية من إسرائيل إلى الغرب بحثاً عن حياة أفضل.
ختاماً، إن مسألة إنتهاء إسرائيل كدولة وسقوط الفكر الصهيوني باتت أمراً واقعاً، ولكن الكثير من العرب لن يدركوا ذلك حتى لو شاهدوا الإسرائيليين يغادرون فلسطين بذات البواخر التي وصلوا بها.