استمعت لأحد المدافعين عن ايران وهو يستشيط غضباً ويهدد لماذا تطلبون من ايران ان تحارب عن غزة بينما لا تطلبون ذلك من الدول العربية المترامية الأطراف والغنية والتي تتكدس أسلحتها في المخازن دون استخدام؟ يبدو السؤال وجيهاً ومنطقياً، فالدول العربية هي الأقرب لفلسطين من كل النواحي، القومية والدينية والمذهبية والقرب الجغرافي والخطر الاستراتيجي، كل هذا قابل للنقاش ومدعاة للغضب والقهر لدى المواطن العربي، لكن هذه الدول بمجموعها تخلت عن فكرة الحرب ورمتها وراء ظهورها وقررت أن لا عودة اليها ابداً وأن خيارها الوحيد هو السلام والسلام فقط، وهذا الشعار ايضاً يمكن دحضه والرد عليه وأحياناً بغضب ساحق من قبل غالبية المواطنين والسياسيين العرب، اذاً كل هؤلاء تخلوا عن الحرب وكل شعاراتها، فما بالك بمن أبقى الحرب والمقاومة شعاره وبذل في سبيل ذلك عواصم عربية عديدة وأعني هنا ايران، فهي الوحيدة التي استمرت بالحديث عن حرب إسرائيل وتحرير فلسطين بالقوة هي وحلفاؤها من تحدثوا عن وحدة الساحات وضرورة انطلاقها في ساعة صفر واحدة، لكن ذلك كله تبخر في السابع من أكتوبر، ألا يكفي هذا لكي يتساءل الناس الذين وضعوا آمالهم العظيمة في هذا المحور.
لقد اقتنع الكثيرون خلال عقود بأن الدم الذي أزهقته ايران في دول عربية عديدة كان مستحقاً لأنه يمهد الطريق نحو فلسطين، ومثل ذلك آمن الكثيرون بأن الكرامة التي ديست بأقدام الايرانيين ليست سوى ثمن بسيط لأجل فلسطين، وتباهى الكثيرون أن الدول التي تستباح كرامتها بجيوش موازية أنهت الأمن والاستقرار وجعلت الحياة قاسية ومذلة، بأن هذا ثمن رخيص لأجل فلسطين، لقد كان لدى الكثيرين قناعة راسخة بأن هذه المليشيات الممتدة من العراق الى سورية الى لبنان واليمن قادرة على محو إسرائيل بجرة قرار يتخذه المرشد أو قائد فيلق القدس، ومع ذلك فإن كل هذه الحدود المترامية مع فلسطين لم تكف هذا المحور لينهي دولة الاحتلال بل كان عليه أن يضيف حداً جديداً، وهذا ما أكدته الحشود على الحدود الأردنية، مطالبةً الحكومة الأردنية بأن تفتح الحدود فقط وسترى ماذا نفعل، لم تكف كل تلك الحدود بل يجب تدمير عاصمة أخرى كي يتمكنوا من تحرير فلسطين، كل هذا كان مقنعاً لكُثر دافعوا عن ايران وموقفها وربما ما يزالون، لكن الحقيقة أنه بينما يراق الدم الفلسطيني وتزهق الارواح تتفاوض ايران مع الولايات المتحدة والغرب حول المكاسب التي ستتحصل عليها مقابل هدوئها وكذلك أوراقها العربية من عواصم ومليشيات وثروات دفعها العرب ثمناً على طاولة المفاوضات الايرانية.
لن يضع أحد عبئاً اضافياً على إيران لو لم تتنطع وتفتح ذراعيها وتُحمل نفسها هذا العبء وهذا الدور، لكن عندما جاءت اللحظة الحاسمة تهربوا واختبأوا وراء الحكمة السياسية ليحصلوا على لقب الرشد الاستراتيجي، لكنهم بدون شك أخطأوا لأن الدور قادم على جوهرة تاجهم، فما أن تنتهي الولايات المتحدة وأنا أعني ما أقول سرعان ما تتجه إلى حزب الله وسنلاحظ خلال الفترة القادمة ارتفاع وتيرة التحرشات الإسرائيلية بهذا الحزب، صحيح أنه ما يزال ملتزماً بقواعد الاشتباك لكن إسرائيل تنتهكها مع كل هجوم، ورغم ضبط النفس المبالغ به من قبل الحزب إلا أن إسرائيل قادرة على جره الى خطأ تستثمره في لحظة ما، بالتالي ستجد إسرائيل والولايات المتحدة فرصة سانحة للانقضاض عليه وربما باتت هذه اللحظة أقرب من أي وقت مضى، لكنها تنتظر الحسم في غزة إن تم لا سمح الله.
إذا لا داعي أيها السيد لتهديد من عولوا على إيران وعلى دور تقوم به ينقذ غزة، لأنها هي من عبأتهم بهذا الأمل لكنها خيبت آمالهم وهي ربما تكسب الآن لكنها ستخسر كثيراً فيما بعد، ومع ذلك ورغم عذابات غزة وانفراد اسرائيل بها إلا أنها تمكنت من إزالة الأقنعة عن وجوه كثيرة كانت تظهر أهدافاً نبيلة ولكنها في حقيقتها تخفي القبح بذاته.
الغد