مُخضباً باستنزاف لغوي يبدو مشهد الكتابة الصحافية المحلية اليوم. صحافة فاقدة ومفقدة للمتعة منفرة وقاتلة للذوق وعاؤها سطحية عارية ومضامينها تفيض خواء في تناولها للموضوعات على تعددها.
تتعبك جمل الانشاء في محاولتها الرديئة اغواءك لمواصلة القراءة، تتوتر وتلعن "سنسفيل" الجهل المطبق على الآفاق . تتمنى ان تصدمك جملة حيوية محملة بمعان تشير الى مخزون معرفي بالوجع الانساني وتجلياته جميعها. انشاء تخفق في وصف المشهد البانورامي للحياة والشكوى والغوص في مكنونات النفس البشرية. انشاء تتقاعس او هي لا تقوى على نقد ذاتها او الالتفات الى مسيرتها غير السارة . تُحصي الكلمات والمفردات المتداولة في الانواع الصحافية السائدة فتجدها معدودة فقيرة بينما يحرص الكثيرون على ترديدها حفاظا على هيبة مفتعلة ونسق خالي الوفاض من المدلولات، خشية كسر السائد "البديع" في تخلفه.
هناك "بشاعة نموذجية" على حد وصف غابرييل ماركيز في ساحرته" ذاكرة غانياتي الحزينات". بشاعة تُغيّب الحقيقة في تصفيقها للمجهول وهتافها الرادح باحصاء منجزات التورية . بشاعة لم "تبتدع" في العقد الاخير سوى مُركّبة "لافتا" التي غدا استخدامها "عالطالع والنازل" حسب تعبير الصديق سميح حداد. اما منحوتة "تمَ" المُعمِرة فتختزل الوهن الذي تعيشه الكتابة الصحافية المتوغلة في موت يبدو انه احتلها حتى باتت متمسكة برباطة جأشها امام رياح التغيير العاتية . لذا فانها حتما تسير مسرعة الى زوال تندثر فيه رموزها وقواميسها الهاجسة بنص ضحل ليس بمقدوره اقتحام ردهات العقل فيهرب من مقارعة الحجة بالحجة الى الشتم المتخم بسقط القول، وهو بذا يثير الشفقة لبؤس حاله.
في آن يبدو هذا الخطاب الصحافي مقدسا للقائم مناوئا للتنوير الداعي الى النظر الى الحاضر والماضي السياسي والتراثي والاجتماعي ليس بوصفه حزمة من الانتصارات والامجاد والنظريات المعصومة عن الزلل والخطأ.
قام النص السائد واشتد ساعده اعتمادا على بنية ثقافية مريضة عمادها الأمية بمفهوميها، فحين يكون الوعي مزيفا والتثقيف متدنياً، تتعزز البيئة الحاضنة لتسيد حكم العاطفة والرغائبية وتجلياتها الانتهازية والنفعية. هي ثقافة وضيعة تأخذ مدياتها في غيبة "الثقافة العليا"، التي تمثل معايير العقل المتحرر من فكر البنى الاجتماعية والثقافية المتخلفة.
تبعا لذلك كله يُقسِم معسكر المعرفة الضحلة الاراء إلى فئتين (مع وضد) وهو في ذلك يكرس الحق في التساؤل عن الفرق بين أُمي وآخر يعرف القراءة ولا يقرأ.
في الاثناء تجد صحافيين يكثرون الحديث نظريا عن مهنتهم في شكلها الراقي كمن يراكم معارف لا يفقهها او يوظفها في ايجاد نص حيوي مهني بامتياز يحرص اصحابه على الاطلاع والوفاء بالحاجات المعرفية، وذلك امر مشروط نجاحه بتوفر نية بلوغ المعرفة الحقيقية وإثرائها.
أختم ولا أختتم بغادة السمان التي كثَفت حين كتبت : لأننا نتقن الصمت.. حمّلونا وزر النوايا !!
نعم نحن نتقن الصمت ولكننا نحتفل بالنقد وجدل الفكرة.