نفهم تماماً حساسـية الظروف الراهنة والحاجة لحماية استقرار البلد ووحدته الوطنية وأمنه الداخلي والخارجي ، ولكن ذلك لا يعني الذهاب بعيداُ في السـحب على المستقبل واسـتخدام الديون كمصـدر لتمويل التنازلات والمزايا التي لا تسمح بها موارد البلد الحقيقية ، وكأن هذه الديون لن تستحق الدفع.
لتدبير 460 مليون دينار كلفة قرارات الحكومة السـابقة التي لم يرافقها كلمة واحدة عن مصادر التمويل ، تنوي الحكومة تخفيض النفقات الرأسمالية بمبلغ 220 مليون دينار ، وهـو تخفيض واجب لأن النفقـات الرأسمالية متضخمة جداً وتسمح بتخفيضات أكبر ، فالوقت الحالي ليس الوقت المناسب للبدء بمشاريع عالية التكاليف وطويلة الأجل في ظل موازنة عاجزة.
أما باقي المبلغ ، أي 240 مليون دينار ، فهو يضاف إلى العجـز المقرر قبل القرارات الشعبية ليصبح 3ر1 مليار دينار ستمول بالاقتراض الخارجي والداخلي بشكل يعرّض أمن البلد المسـتقبلي للخطر ، ويؤكد المنظور السلبي للاقتصاد الوطني الذي قالت به مؤسسات التصنيف الدولية التي أخذت بالاعتبار سياسة التساهل المالي والرضوخ للطلبات.
الحكومة تريد تجنب رفع العجـز في الموازنة رسـمياً إلى هذا المستوى غير المقبول ، فتلجأ لما يسمى حلول محاسبية خلاقة كزيادة المبلغ المتوقع للمساعدات الخارجية بمبلغ 140 مليون دينار ، وزيادة العجز بمبلغ 100 مليون دينار ، وهي إجراءات حسابية يمكن أن تتم على الورق ، ولكنها لا تعني شيئاً على أرضية الواقع سوى المزيد من الديون.
مسيرات يوم الجمعة أمام متاجر مغلقـة في شوارع خالية من المواطنين ، لا تهـدد أمن البلد ، فقد اعتدنا عليها ولم تعد تنتـج أثراً يذكر ، أمن البلد يهدده الوضع المالي الصعب ، والإدمان على الديون لشراء الوقت وترحيل المشكلة إلى المستقبل.
من غير المقبول أن تقترض الحكومة من البنك الدولي لتمويـل زيادة الرواتب ودفع فروقات أسعار الخبز والسكر والأرز والزيت والغاز والأعلاف ، وتمكين المؤسسات الاسـتهلاكية من البيع بأقل من سـعر الكلفة ، فهذه ممارسـة غير مسؤولة ولا يجوز تمويلها بقروض أجنبية.
هـذا وقت انحياز للوطن وليس انتهاز الفرصة لنهش جسـده ، والضغط على الحكومة للحصـول على منافع ومزايا مستحقة أو غير مستحقة ، عن طريق التهديد بالإضراب والاعتصام كأسـلوب للابتزاز.
(الرأي)