يبهرونهم بكاسة الشاي .. ولا نبهرهم بإفطارنا ..
محمود الدباس - ابو الليث
21-11-2023 10:58 AM
كنت اجلس كثيرا مع مديري في الشركة.. وكانت في احدى العواصم العريية.. وفي يوم دخل علينا احد مدراء الدوائر في الشركة.. وهو من جنسية عربية.. وبعد ان انهى ما اتى لاجله.. سالته هل تفطر قبل ان تاتي للعمل؟!..
فَردَّ قائلا.. لما البس هدومي.. بجلس اتفرج على التلفزيون.. وبتيجي على بالي كاسة شاي.. فبكون بين نارين.. اتابع الاخبار الصباح.. والا اعمل كاسة الشاي.. وبعد شد ورخي مع نفسي.. أرفع صوت التلفزيون.. واروح للمطبخ.. وعادة بلاقي غلاية المياه فاضية.. فاضع فيها مياه بكمية اكثر بقليل من كاسة الشاي.. حتى اذا تبخرت ما تنقص عن الحد المطاوب.. وكمان ما يضل مياه في الغلاية.. لانه بعض المختصين ما بيفضلوا زيادة المياه المغلية..
وعادة بحط ملعقة ونص سكر.. من شان ما يرتفعش السكر.. وبس اضيف المياه المغلية.. واحرك السكر.. واتأكد انه ذاب بالكامل.. بحط فتلة الشاي.. وبرجع للصالون وانا حامل كاسة الشاي في صنية.. خوف لا ينسكب شاي على الارض..
بعد فترة دخل علينا شاب اردني.. وبعد ما كمل العمل الذي اتى لاجله.. سألته نفس السؤال.. فرد بالقول.. الله وكيلك.. بعد ما بجهز حالي والبس.. بعمل فطور متكتك.. وبشربلي "ثلاث - اربع" كاسات شاي على كيفك.. وبطلع للشغل..
الذي استغربته حينها.. استمتاع وانبهار مديري من حديث ووصف ذلك الشاب العربي.. وهو يصف حاله مع تحضير كاسة الشاي.. ولم يلق بالا للشاب الاردني الذي قام بتحضير افطارا كاملا.. مع ثلاث او اربع كاسات شاي..
وحين سالت مديري عن السبب.. قال لقد وصف الشاب العربي ما قام به بشكل اوحى اليَّ انه حضر افطارا وغداء خمس نجوم لمجموعة من الناس.. وبين اهمية غلي الماء واذابة السكر قبل وضع الشاي.. وكذلك عدم ترك ماء في سخان الماء.. بينما الاردني.. اكتفى بذكر الفعل بشكل كامل.. وظنني ساعلم من تلقاء نفسي التفاصيل..
وفي ذات السياق.. وفي احدى جولاني للتفتيش على احد افرع الشركة في احدى الدول العربية.. وفي وقت الاستراحة.. تحدثت مع مجموعة من المدراء حول معركة الكرامة.. وكان غالبيتهم ضباط متقاعدين برتب عالية.. ما صدمني هو ان نظرتهم لمعركة الكرامة كانت وكأنها "هوشة" بين جيران.. دخل احد أبنائهم الى "حوش" الجيران.. وضربوه.. وتوسع نطاق "الهوشة" لتدخل الاهل.. ومن ثم تعب الطرفان.. وتوقفا عن الضرب..
للاسف الشديد.. نحن في الاردن نقوم باعمال كبيرة وعظيمة وكثيرة.. يحق لنا ان نرفع رؤوسنا بها.. ولكن ضعف الصياغة الاعلامية.. واختصار الكثير من حيثياتها.. وعدم التركيز على نشرها بالطرق الصحيحة.. وظنُنا ان العالم سيحلل من تلقاء نفسه ويعرف تفاصيل ما قمنا به.. يحعل الغموض يكتنف فعلنا.. والظِلال تلف ما قمنا به وتحجبه عن الاخرين.. والانكى من ذلك هو إن تم تبخيس فعلنا.. والتشكيك في نيتنا.. والاجتزاء من خطاباتنا.. وذلك باستغلال نقاط ضعف صياغاتها..
وبالمقابل.. تجد غيرنا يفعل الشيء اليسير مما فعلناه.. ولكن يتصدى الكثيرون من ابنائه لجعل ذلك الفعل وكأنه لا مثيل له.. ويوظفوا له كل الوسائل الاعلامية.. ولو اضطروا لانتاج مسلسل او فيلم عنه فلن يدخروا جهدا..
اسجل عتبي على من يمسكون دفة وزمام الاعلام وخصوصا الرسمي.. في عدم تسخير كل الامكانات والطاقات لابراز دور الاردن في كل شيء عظيم يقوم به.. وبالشكل المتقبل محليا وعالميا..
وللاسف الشديد ما دمنا نتكئ على نفس الاسلوب والاشخاص والنظريات الاعلامية التي اصبح الاردني قبل غيره.. لا يتابعها ولا يأبه لها.. فلسوف نبقى نراوح مكاننا.. وما هي الا افعال تقومون بها من باب رفع العتب..
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وأرضا..