نعم لا تنسوا بوعزيزي ذلك الإنسان الشفاف الذي انتقم لكرامته وعزة نفسه فارتضى الموت على الحياة النغيصة التي لا تطاق في ظل الظلم والقسوة والإهمال والإذلال ، ذلك الذي كانت تفرضه عصابات النظام الظالم على الناس والمجتمع في تونس .
لا يمكن تصور مقدار الانفعال والظلم الذي كان يستشعره بوعزيز عندما قرر الانتقام لنفسه بنفسه فضحى بأغلى ما يملك من اجل ان يبقى في نفوس غيره نبراسا وجذوة تشتعل ثورة لم يكن يتوقعها هو ، ولم يدر في خلده قط أن هناك من ينتظر الشرارة حتى تنطلق فيبني عليها مستقبلا وواقعا جديدا لم تألفه الشعوب العربية على امتداد مساحة الوطن العربي .
لا يمكنننا ان نتخيل حجم الإحباط والانكسار الذي تغلل في نفس بوعزيزي حتى وصل به الحد الى هذا المستوى من الارتقاء بالنفس الى حيث انكار الذات من اجل عزته وغيرته على نفسه .
لقد كان العزاء الوحيد لبوعزيزي هو ان الناس التقطوا هذه اللحظة العصيبة من لحظات العمر التي لا تنسى فجاء انتقامهم جارفا هادرا مدويا من حيث يدروا او لايدروا من اجل عزة وكرامة نفس بوعزيزي التي اختزلت عزة شعب وكرامة شعب كامل فأضحت بذلك أمثولة تقال وستبقى تروى إلى الأبد مابين الناس والشعوب ، وكانها جاءت ترجمة عملية وحقيقية للكلمات الخالدة لشاعر تونس العظيم أبو لقاسم ألشابي
اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بـــد للقـــيد أن ينـــــــكسر
لكل ذلك فإننا نقولها للمرة الألف بعد الألف لا تنسوا بوعزيزي لان تضحيته لا يمكن ان تقاس ولا يمكن ان تستنسخ لأنها جاءت ترجمة حقيقية لمعاناة شعوب استعصت مصائبها على الإنس والجن ، فكان لا بد لها من أن تتحمل مسؤولياتها أمام نفسها وأمام العالم الذي اخذ يتندر بعجز الشعوب العربية وخنوعها وانكسارها .
والله من وراء القصد