صبري .. سمير بينهما غزة .. وما يسطرون
أحمد سلامة
18-11-2023 12:40 PM
أبدا … صبري ربيحات ليس بدويا رغم ان كله بداوة ، وليس فلاحا ، برغم ان تشققات قدميه يرسمها دوما في لغته بعناد وهو ليس ابن مدينة، رغم انه صال في المدن من كاليفورنيا وجال حتى جنوب افريقيا وعمان احدى عشيقاته الثابتات التي لم يملها .. هو كل ذلك لكنه نسيج وحده..
أكتب اليوم عن سمير الحياري وصبري ربيحات وغزة.. لان ما قدماه من فطانة لدى السائل وموهبة وعروبة ووعي متدفق مثل بردى ايام عز عروبة شامنا من المسؤول في مقالة تاريخية من وجهة نظري بثتها اذاعة ( نون ) الوليدة الدائمة باذن الله اجراها سمير الحياري واجاب على اسئلته النبيلة صبري ربيحات.
سأكتب اليوم عن اخي صبري ربيحات الذي قدم أرقى معنى عربي لكفاح غزة والبسها ثوبها التي تستحقه.. نحن في العادة ننتسب لجيل في الوعي لا يرى جمال وعي اقرانه وينشغل في التنابز والمناقرة، ولا يلتفت الى جماليات هذا الجيل الذي شد رحاله الى الوعي في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ذلك العقد الذي فيه كل شيء يصنع الوعي الذي يصعب تكراره.
أبو رفعت، كتبت عن كل الناس ولم يكتب عنك احد بما تستحقه، لماذا تعتقد هذا الجحود بحق كاتب مثلك ؟! ..
اجبته: بكل بساطة، جيلنا عنيف ويستكثر على بعضه الحب، لهذا سأكتب عن صبري ربيحات بكل حب هذا اليوم ..
لقد ادهشني ابتداء سمير الحياري بأداءه الملفت في (كار) جديد عليه ورغم ان مقابلته ذائعة الصيت الحسن مع دولة رئيس الوزراء الدكتور بشر لم تزل اصداؤها ذائعة التذكر الا ان المقابلة التلفزيونية والاذاعية جديدة على مهنية سمير ..
لكن.. شخصية الاخ سمير التي تدهش بقدرة صاحبها الاعجازية على اتقان فن الصمت السامي قد منحته فرصة ان يكون حنونا في المقابلة مع معالي الدكتور صبري وقد خلت من (المراجدة ، والمقاطعة ) والاستعلاء المزعوم واحتكار الصواب، لقد نجح ( الباشا ) في ان يخفض جناح الحب ل صبري فأعانه على التدفق ..
ستظل مقابلة صبري ربيحات عن غزة احدى اهم المرجعيات في التاريخ السياسي والاجتماعي الاردني لعقود قادمات، لانه بصراحة لم يكن ما قبلها بمثلها ..
أخرج صبري عالم الاجتماع ابن البلد برؤيته وتروية معنى التضحية في غزة من لطمية التحسر والتفجع الى فناءات القرار الواعي للنهوض بالامة عبر تضحياتها الجسام.. وما كان في ذلك زائدا للتفسير كما البس ابو عبد اللطيف ( صبري ) ثوبا عربيا مجيدا للجهاد الغزاوي ونزع عنه صفة الفصائلية والمحلية والمناطقية وقدمه على انه صورة من صور الكفاح العربي نهضت به غزة في هذه المرحلة وكان في ذلك نبل!..
ولقد اخترق صبري في المقابلة مع سمير الحياري في نون، بحرفية العالم الصمت الذي فرضته اليهودية العالمية بجبروت وسائلها وقدرتها على ازاحة الصورة المشرقة لكفاح ابطال غزة وهم يأسرون ويفتكون بالعدو والتزامهم الخارق للتعاليم الانسانية التي ردها صبري بذكاء نابه الى توصية الخالد ابو بكر الصديق ( لا تقتلوا شيخا ولا تقطعوا شجرا ، ولا تعذبوا ناسكا.. الخ ) ..
إن ربط العروبة بكفاح غزة ودحر اليهودي المتعالي والتشبث بتعاليم ( الاسلمة ) التي تخلو من الشطط كانت هي وصفة صبري الخالدة.. لا اريد ان اروج للمقابلة فهذه وظيفة الزميل محمد سمير الحياري الذي لديه من وسائل الترويج ما يفوق اية قدرة .. لكني اريد ان أزف الحبيب صبري ربيحات للامة الاردنية على انه عالم اجتماعي يجب ان ينصت اليه من يحب الاردن دون حساسية من صراحته وجرأته ..
وأود ان اقول في هذا العالم الاردني الذي يستحق منا الثناء والعناية وان نفتح له بوابات الاستماع الى حكمته.. صبري ربيحات طفيلي حتى النخاع واردني حتى المطلق وفلسطيني موغل في الود والمحبة بإذعان الراغبين للحب وعربي حقيقي وانتزع من ثقافة الغرب ما يؤنس وحشتنا لكنه لم يتبع لمذاهبهم وهو في ذلك من قلة أمسكت على عروبتها كيقين وكضرورة..
وصبري وعيه السياسي قد يكون ثانيا ووعيه الاجتماعي هو الاول والمفتاح، لكن قلة في بلادنا تحكي بجرأته ، وتنتقد بوطنية لا تعيب صاحبها، وهو لم يضع في جيبه ما يندى له الجبين، بل كل ما احتواه جيبه هو من عرق الجبين، وكلنا لدينا انحيازاتنا مهما ادعينا من نبل الترفع عن ذلك، انحياز جغرافي هنا وانحياز ( زبائني ) هناك ومصلحي تارة ولغضب تارة اخرى، لكن صبري يمارس ذلك في أضيق الأطر !!.. وبصورة اكثر من مقبولة ..
هل من الانصاف ان يحرم من كان مقدم برامج تلفزيونية ذات عقد كامل وله علاقة بالشباب في الوقت الذي كلنا نغني فيه للشباب!! ألا يظهر على الشاشة الوطنية سنوات وسنوات ؟! ..
هل يعقل ان يظهر صبري ظهورا بروتوكوليا لا يتاح له ان يعبر عن رأيه ؟، وان يغيب عن الندوات والاحزاب والنشاطات الممنهجة المدروسة؟!..
ان خللا فادحا برسم القلق والحيرة يدفعنا للسؤال: من هو المستلم ( لأدوات التحريك ) في بلادنا ؟، بحيث يُستبعد صبري ويتم الترويج لأناس هم مجرد تلاميذ في مدرسته !! ..
لقد آن الأوان ان ننظر بجدية وطنية مسؤولة للمخاطر التي تحيط بنا، وأن نعيد النظر في كيفية التعاطي مع ناسنا وألا تكون مواقفنا بالدولة من الناس من وحي غضبنا ورضانا ..
الوطن الاردني بحاجة لطاقات ابنائه الاخيار في السياسة والاجتماع، نحن بحاجة الى الاردنيين الحقيقيين الذين يشبهون جبالنا واوديتنا وسنابل قمحنا ..
ليس .. أجمل من صبري ربيحات ابو عبد اللطيف قمرا في سمائنا وهو رجل الحب ورجل الوعي، اعطوه فرصة التعبير عن حبه لوطنه، لا تأسروا وعيه بالنكايات والمواقف المُسبقة .. ومثله كثير..