من هو «المجتمع الدولي» الذي نناشده؟
عوني الداوود
18-11-2023 12:29 AM
ملفت للنظر وبكل غرابة أن الجميع يناشدون «المجتمع الدولي» من أجل وقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الانسانية ؟!! وعندما أقول «الجميع» فانني أستثني اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية..والا فالكل: (يناشد) و (يطالب) و (يدعو) ..الى آخر هذه الكلمات التي لم تعد ذات معنى ونحن في اليوم الـ (43) لبدء العدوان على غزّة العزّة، ووفقا لآخر الإحصائيات فقد بلغ اجمالي الشهداء (11500) شهيد، منهم (4710) أطفال، و (3160) امرأة، و (1118) عائلة، أما أعداد الجرحى فقد بلغ الاجمالي (29800) جريح، واجمالي المفقودين (3640) بلاغا..وكل هذه احصائيات تؤكد كل التقارير والشواهد الميدانية أن الجريمة أكبر وأخطر من كل هذه الاعداد التي تم حصرها، فهناك عائلات أبيدت بالكامل، والعشرات وربما المئات تحت ركام نحو (41000) وحدة سكنية دمّرت أو تضرّرت بشدة تشكل أكثر من 45 % من اجمالي المساكن في غزّة.. مما يعني أن هناك حرب ابادة مستعرة أمام مرأى ومشهد العالم الذي يتفرج ويناشد (المجتمع الدولي) ..حتى بتنا نتساءل: أليست كل هذه الدول جزءا من «المجتمع الدولي»؟!
الغريب في الموضوع، أن دولا كبرى اقليمية وعالمية تناشد وتدعو «المجتمع الدولي» لوقف الحرب..والغريب أن الولايات المتحدة تجاهر ولا تلتفت لكل النداءات وترفض وقف الحرب، والغريب أن اسرائيل «توبخ بعنف رؤساء دول عظمى» لأنها طالبت بوقف الحرب!!
«حرب العدوان على غزة» كشفت كثيرا من الامور كنّا نستشعرها، ولكن لم نكن نتوقع أنها بهذا الحجم من الفظاعة..فلم نكن نعتقد بأن دولا عظمى في مجلس الأمن لا تملك قوة اتخاذ قرار «انساني» وأنها تناشد المجتمع الدولي.
لم نكن نتوقع من «الامم المتحدة» التي من المفترض أنها تمثل مظلة «المجتمع الدولي» أن تناشد المجتمع الدولي لحماية ذراع من أذرعها وهي «الأونروا» من القصف الذي تعرضت له، بل وقتل أعداد من موظفيها، وهي «الامم المتحدة» تمثل المجتمع الدولي!!
حرب «العدوان على غزّة» كشفت -بما لا يدع مجالا للشك - بأن المجتمع الدولي الذي تناشده كل الدول هي الولايات المتحدة الامريكية، وهي ترفض الاستجابة، للضغط على اسرائيل لوقف العدوان على غزّة..بل على العكس فهي تشجعها وتمدها بكل أنواع الأسلحة الحديثة والفتاكة كي «تجربها» على أطفال ونساء وشيوخ غزّة.. وهي «أمريكا» بذلك تدمّر كل ما بنته خلال عقود من الزمان من أوهام وزعتها على العالم من شعارات «الديمقراطية، وحقوق الانسان، والطفل، والمرأة،..الخ».. ليتضح أن ذلك لا يشمل الفلسطينيين..كما لم يشمل من قبل السوريين.. ولا حتى العراقيين.. ولا الأفغان.. ولا حتى الفيتناميين.. والتاريخ يشهد!!
أكثر من ذلك فان تصريحات لمسؤول اسرائيلي بأن الحرب مستمرة (حتى لو تخلى المجتمع الدولي عن اسرائيل) !!
هذا يعني أن العناد مستمر، وأن اسرائيل تواصل جرّ المنطقة الى الهاوية، وأن كلاهما (اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية) تبحثان عن نصر لن تحققاه في غزة، ولذلك نسمع عن سيناريوهات لما يمكن أن تفعلاه من أجل ان يكون هذا الدمار والقتل والاجرام بحق الانسانية «مبرّرا» من وجهة نظرهما، ولذلك نستمع ونتابع ونقرأ عن سيناريوهات لمرحلة «ما بعد غزة» وكأنّ المعركة على الأرض قد حسمت، رغم أن الواقع يقول غير ذلك، واذا كانت اسرائيل تزعم أنها تريد حربا طويلة، فهذا مؤكد على الاقل من نتنياهو ومن معه لانقاذ فشلهم ولا يؤيد ذلك قادة اسرائيليون آخرون، ولا أهالي الرهائن والأسرى، كما أن ديمقراطيين في الولايات المتحدة لا يؤيدون الاطالة لأنها ستحرجهم كثيرا أمام الشارع الذي بدأ يتحرك، وأمام الجمهوريين الذين يتربصون للانقضاض على الديمقراطيين بسبب فشلهم بادارة المعركة..وتبيّن ذلك آخر الاستطلاعات في الولايات المتحدة التي تؤكد تراجع شعبية الرئيس بايدن (32 %) وزيادة نسبة الامريكان المؤيدين لوقف الحرب (68 %) .
خلاصة القول.. فإن «المجتمع الدولي» الذي يملك قرار وقف الحرب هو الولايات المتحدة الامريكية، ومن يملك القدرة للضغط عليها لوقف الحرب فقط اثنان:
1 - «المقاومة» الصامدة والغزّيون الذين يسطّرون المعجزات على الأرض في وجه كل مؤامرات التهجير والاجبار على النزوح ويفشلون كل المخططات التي ستجبر الولايات المتحدة في مواجهة ورقتي ((صمود المقاومة والغزيّين-وورقة الأسرى والرهائن)) على الرضوخ للتفاوض.
2 - «المجتمع الدولي الحقيقي» الذي بات يصحو من غفوته، والمتمثل بالملايين ممن يخرجون للشوارع، وتحديدا في عواصم بريطانيا وفرنسا والمانيا وحتى داخل امريكا..وهذا «المجتمع الدولي الحقيقي» هو القادر على الضغط وقلب الطاولة على الحكومات التي انتخبوها، ويكتشفون اليوم كم هي بعيدة كل البعد عن مفاهيم (القانون الدولي وحقوق الانسان وحماية الأطفال والنساء..الخ) .
فلننتظر.. لأنه اذا كان للباطل صولة وجولة.. فإن للحق دولة.
الدستور