يستأذن رئيس قسم العظام في مجمع الشفاء الطبي الدكتور فيصل صيام، مذيعة قناة الجزيرة وهو يصف لها دبيب الموت، وجرحى يبتر الأطباء أقدامهم وأرجلهم إنقاذاً لحياتهم من موت محقق، نتيجة عدم توفر العمليات، والدواء، وجيش الاحتلال يمنع الأطباء من الولوج إلى الصيدلية، يستأذنها فيصل صيام وهو يبكي: طبيب التخدير يطلب مني أن أرافقه لإجراء عملية جراحية لمريض مصاب، ويضيف معتذراً وقد اختنق صوته بالبكاء: أقسم بالله العظيم؛ بدون تخدير، وأما المذيعة فقد قالت ما يجب أن يقال: الأسئلة لم تعد موجودة.

ما السؤال الذي يمكن أن يوجهه مذيع أو مذيعة أخبار لطبيب في مستشفى محاصر، لا يملك الأطباء والمرضى فيه الماء، ولا الدواء، ولا الغذاء، ولا الهواء، ولا الكهرباء، وتحت القصف، والجيش يتنقل من مبنى إلى آخر، ومن قسم إل آخر، ويمنع على الأطباء والمسعفين التنقل، بل يمنع النظر من نافذة، أو الخروج من باب؟

قبل أيام ارتبك مذيع وهو يبحث الأسئلة، فسأل أسئلة مربكة مرتبكة، كمثل: إذا كانت المياه قد نفذت من المستشفى، فكيف تشربون؟ أو السؤال: في ظل عدم توفر الغذاء، ماذا تأكلون؟ أشفقت عليه، أشفقت عليه لأنه لم يصادف في عمله حالة من هذا النوع، لكن المذيعة اليوم لخصت الحال في قولها: الأسئلة لم تعد موجودة.

الأسئلة لم تعد موجودة يا سادة، ولا مجيب، لكني أرى أن القادم أسوأ في ظل هذا الصمت العربي والعالمي المريب، وهذا القتل المتوحش الرهيب، وفي ظل عجز عربي غير مسبوق، وتواصِل قوات الاحتلال صراخها في شمال غزة بالدم والبارود، لكنها تضرب بالمليان في جنوبه بالقنابل من الطائرات ومدافع الدبابات، تصرخ في الشمال لكي يسهل عليها الضرب في الجنوب، وتقتل في الشمال، لكي يسهل عليها تهجير الفلسطيني في الجنوب، وتواصل الدفع في اتجاه الجنوب، وإذا واصلت إغلاق معابرها مع غزة، ولم تُبقِ لأهل القطاع إلا معبر رفح مخرجاً، فستتحقق الهجرة القسرية نحو سيناء، وافقت مصر أم رفضت، إلا إذا اختارت أن تترك أهل غزة يموتون على المعبر.

إذا لم تتوقف هذه حرب الإبادة البارحة، فإن مخطط إسرائيل لتهجير أهل قطاع غزة، سيتحقق عنوة بعد أن فاحت رائحة الموت في كل ربوع أرض خراب لم تعد صالحة للحياة، ولا سقف فيها، حتى سقوف المساجد والمدارس، والكنائس، وفي ظل استهداف محطات المياه وطحن الحبوب، وقد قلت وما زلت أقول، المعركة أكبر من أهدافها المعلنة في القضاء على حماس، وإنهاء حكمها، وأكبر من عملية للانتقام، أو تحرير أسرى إسرائيل من المدنيين والعسكريين، إنها حرب إبادة وتهجير وتدمير غير مسبوقة في التاريخ الحديث، إنها بحق سلسلة نوعية من الجرائم الوحشية ضد الإنسانية، وإذا لم تنتبه الدول العربية والإسلامية بما يكفي للارتقاء إلى مستوى هذا الخطر اليوم، فإنها لن تكون قادرة على فعل شيء غداً، ولا بعد غد.