دخلت حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين إلى عنق زجاجة دقيق، قد يطول إلى أشهر، وربما إلى سنوات. وكلما طالت الحرب زادت ورطة إسرائيل، وانكشف عجزها أكثر وأكثر أمام المقاومة الفلسطينية في غزة، وضعفت أمام الضمير العالمي.
فكلما طالت الحرب زاد عدد القتلى في جيش الاحتلال وغيرها، وتشققت جدران تحالف الحرب على الفلسطينيين. الحرب التي بدأت بإسقاط استراتيجية الردع الإسرائيلية إذ كلما طالت ستعيد رسم خطوط توازن القوى في الشرق الأوسط والعالم.
وقد اعترف رئيس الأركان الأمريكي، بأنه كلما طال أجل الحرب في غزة زادت صعوبتها، وأن إسرائيل حددت هدفا واسعا جدا لهذه الحرب.
ومن ناحية أخرى يخطئ نتنياهو إذا اعتقد أن الحرب هي نهاية السياسة، وأنه لا سياسة بعد الحرب.. وسواء تعلق الأمر بالغزو العسكري لقطاع غزة، أو بالغارات اليومية ، لذا فإنه معروف لدى قادة الجيوش والخبراء إن حروب المدن بشكل عام تختلف عن الحروب النظامية وحروب المواقع الثابتة، من حيث أن سيطرة الطرف المعتدي على موقع أو مساحة من الأرض، لا تعني انتصارا على الطرف المدافع، بل إن ذلك يجعله هدفا أسهل للصيد.
ليس ذلك فقط، بل إننا في حرب غزة نعرف أن المقاومة الفلسطينية لم يستخدموا بعد قوتهم الضاربة، وأنهم استعدوا لحرب طويلة الأجل.
وقد أثبتوا حتى الآن أنهم قادرون على جعل فتحات الأنفاق فوهات براكين لتدمير قوات الإحتلال على الأرض، وأنهم مستمرون في الوصول إلى داخل إسرائيل بصواريخهم وطائراتهم المسيرة، وربما بعمليات عسكرية خاطفة.
ومع كل التضحيات والصمود، فإنهم يقدمون أيضا مثالا نادرا على تحملهم النزيف في الدم والأرواح، على ألا ينزفوا شرفا وكرامة.
ومما لا شك فيه أن الحرب الإسرائيلية على غزة لم ولن تحقق أهدافها، فلا هي حققت لإسرائيل استعادة المحتجزين، الذين كانوا هدفها الأول، ولا الغلبة على الأرض مع دخولها أكثر من شهر ونيف، رغم التفوق العسكري الساحق، والحماية لها بحرا وبرا وجوا.
ولكل هذه الأسباب فإن الخطاب السياسي والإعلامي لرئيس حكومة الحرب الإسرائيلية نتنياهو يبدو هائجا يائسا وخاليا من العقل، حتى وصل به الأمر إلى التهديد بالوقوف في وجه العالم كله!
إذ وجدت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة نفسها أمام تحد جديد ربما كان أكبر وأخطر من تحدي احتلال أوكرانيا من قبل روسيا، ذلك أنها وجدت بين ليلة وضحاها نفسها أمام تحد لم يكن بالحسبان: إنقاذ إسرائيل التي بدت وكأنها تترنح تحت ضربة “المقاومة”، بل وظهر جيشها “الذي لا يقهر” أنه أوهن بكثير مما صور نفسه، وأن جبروت آلته العسكرية تتحطم بأبسط الأسلحة المحمولة، فمشاهد الدبابات والآليات العسكرية التي تدمر بالعشرات أذهلت العالم أجمع، وأحدثت فوضى كبيرة في مواقف وردود فعل العالم الغربي بل وهددت التوازنات بشكل عام، ولم تتوقع حكومات الغرب أن الرأي العام العالمي سينقلب ضدها وضد إسرائيل، وملأت الجموع الغفيرة شوارع المدن الأوروبية والأمريكية رافضة العدوان على غزة ومناصرة للفلسطينيين،ومهما يكن من أمر فإن عملية طوفان الأقصى قد أعادت إحياء القضية الفلسطينية في الوقت الذي كان يخطط لها في الخفاء بالقضاء عليها نهائيا، وإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل باحتلال غزة والضفة الغربية، والخريطة التي عرضها بنيامين نتنياهو بضحكة عريضة على منبر الأمم المتحدة والتي تظهر دولة إسرائيل تضم غزة والضفة الغربية خير دليل على ذلك.