الخوارزميات .. مِقْصَلَة الْحَذْف للمحتوى الْفِلَسْطِينِيّ
باسل النيرب
16-11-2023 11:17 AM
تمهيد
كشف العالم الافتراضي عن انحياز آخر ضد الضحايا والحقيقة، وتحيز واضح ضد المحتوى الفلسطيني ومن يقف معه في مختلف المنصات بل أصبحت بعضاً من المنصات صديقة للاحتلال الإسرائيلي ومؤيدة للأحداث الدموية والمجازر المتواصلة في غزة، بعد أن تغوّلت المنصات الرقمية وسارعت إلى حذف أي تعليق أو منشورة أو صورة أو فيديو مؤيد للطرف الفلسطيني خلال الحرب الدائرة على غزة وقبلها على المحتوي الفلسطيني بالعموم.
وأصبحت منصات وسائل التواصل الاجتماعي خلال الحروب من الأدوات الأساسية في مشاركة المعلومات والتواصل مع الجمهور، حيث تعتمد بشكل كبير على الخوارزميات لتحديد الأولويات وتصنيف المحتوى للمستخدمين، التي أثبتت فعاليتها في زيادة التفاعل ونشر المعلومات والرد عليها، وإعطاء صوت إلى الذين تأثروا بالحرب، كما برهنت على قدرتها في نشر الدعاية والمعلومات الخاطئة، وفي الحرب على غزة، وأحد النماذج الواضحة للتحيز ضد المحتوى الفلسطيني نشاهد الازدواجية وتوظيف حقوق الإنسان للتلاعب، والانحياز الواضح ضد الحقيقة، وتحويل المحتل إلى نموذج إنساني.
الرقابة والحذف للمحتوى الفلسطيني
للوهلة الأولى يبدوا أن من يقوم بحذف وتقييد المحتوى الفلسطيني هو المنصات الاجتماعية، ولكن في حقيقة الأمر من يقوم بها أطراف لهم مصالح سياسية واقتصادية يسعون إلى تحقيقها سواء كانوا ضمن المنصات الاجتماعية أو جهات سياسية، حيث تصمم هذه الخوارزميات لعكس اهتمامات المستخدمين ورغبات المُلاك، حتى يتمكنوا من رؤية المحتوى الذي يناسبهم، وتستخدم هذه الخوارزميات مجموعة من العوامل لتحديد المحتوى الذي يُعرض على المستخدمين، بما في ذلك اهتماماتهم وتفاعلاتهم مع المحتوى السابق، والأشخاص الذين يتابعونهم.
ولتحقيق هذه الغاية وضعت "الشركات" جملة من القواعد التي "تنظم" العمل واعطائه الصبغة القانونية، فمثلاً تعرف المحتوى العنيف على مواقع التواصل الاجتماعي أي نوع من المحتوى الذي يحتوي على عناصر من العنف، أو الترويج للعنف، أو الإشارة إلى أفعال عنيفة، بطريقة تثير القلق ضد الأفراد أو المجموعات، وبناءً على أسس معينة مثل العرق أو الدين أو الجنس.
وتعرف خطاب الكراهية أنه التعبير اللفظي أو الكتابي الذي يهدف إلى الترويج للكراهية، أو التحريض على التمييز أو العنف ضد فئة معينة من الأشخاص أو المجموعات، بناءً على أسس معينة مثل العرق، أو الدين، أو الجنس، أو الانتماء القومي، أو العقيدة، أو الثقافة، أو الاعتقادات السياسية، أو الاجتماعية.
والسؤال الذي يتبادر للذهن كيف يمكن تناول أي حرب في العالم وليس في غزة دون الحديث عن الكراهية أو العنف أو استخدام تلك الكلمات بشكل مباشر أو غير مباشر؟.
في كل منصات التواصل الاجتماعي هناك ما يسمى بالتعلم الآلي " Machine Learning" أي أن المنصة تتطور بالتغذية، والمتعارف عليه أن الخوارزمية نفسها لا تنحاز؛ فأي انحياز ظاهر هو مسؤولية المطورين، وتكون الخوارزمية غُذيت ببيانات منحازة، حيث يقوم بهذه العملية متطوعين يعلمون في المنصات الرقمية لتصنيف المحتوى وتتبعه، حيث تمتلك المنصات عاملين في وحدة الأمن السيبراني الإسرائيلي ممن يعملون في "الفيسبوك" كمتطوعين لرقابة المحتوى ولهم صلاحيات الحذف والحظر دون الاضطرار للدخول في الإجراءات الروتينية، ومهمة المتطوعين متابعة المحتوى وحذف أي محتويات أو منشورات تناقض الرواية الإسرائيلية،.
أما الطريقة التي تعمل بها منصة "الفيسبوك" لا تصب لصالح حرية الرأي والتعبير، كونها الجهة الوحيدة المسؤولة عن تقييد وحذف الحسابات أو التدخل بالمحتوى بشكل مباشر، ومع وجود تقييد غير مباشر من بعض الجهات الحكومية عن طريق طلب تقييد أي محتوى مخالف لقوانينها، أو من الشركاء التجاريين، أو بسبب وجود مجموعات ومؤسسات تنظم حملات للتبليغ عن محتوى معين، وفق ذلك يستجيب "الفيسبوك" للبلاغات ويعتبر المحتوى مخالفاً. وهنا ينبغي التأكيد على أن "الفيسبوك" لم تعلن عن نوع خوارزمياتها أو كيفية عملها، ولا حتى حددت سياساتها المتبعة بشكل مفصل".
وفي مسألة تغذية الخوارزمية يقوم بها العنصر البشري الذين يقومون بتغذيتها بمعلومات منحازة تسبب الضرر باختيار معلومات تدعم الرأي الإسرائيلي بدون أخذ رأي مخالف، من خلال اختيار بيانات التعليم تحت الإشراف (Supervised learning) أي "تحديد وتصنيف أي نوع من الكلام هو المقبول، ودرجة تقييم كل رأي"، وبالنسبة للكلمات المفتاحية، لا يمكن أن تكون لوحدها سبباً في حظر المنشور، فالخوارزميات تحاول تحليل النص كاملاً لتتعرف إلى المعنى العام للنص، لذا قد نجد أن وجود كلمة فلسطين في نص غير سياسي مقبولاً ولا يشكل انتهاكاً للمعايير، ولكن الواضح أن كلمات مثل حماس فلسطين وغيرها، محددة كقواعد برمجية (Rule based AI)" في المنصات الاجتماعية.
في المقابل وفي خضم تشويه المحتوى الفلسطيني نشهد السماح للمؤثرين بالنشر والتسويق للمحتوى المدافع عن اسرائيل، مقابل الحدّ من الوصول أو إلغاء المحتوى المؤيد للقضية الفلسطينية، وهو ما يُعرف بـ "Social Media Oppression " قمع مواقع التواصل الاجتماعي القائم بشكل كبير على الـ " Shadowbanning " الحدّ من وصول المحتوى إلى الجمهور الذي بات يستهدف الكثير من المحتوى الداعم لفلسطين بشكل غير معلن وصريح، ويحصل عبر bot وليس عبر البلاغات الفردية أن المحتوى غير مناسب، لا بل منصّات ميتا نفسها تخفي هذا المحتوى.
وتؤكد الناشطة الحقوقية الأميركية، جيليان يورك أن المحتوى العربي على منصات التواصل الاجتماعي يخضع للرقابة أكثر بكثير من المحتوى الذي ينشر باللغة العبرية، وقامت إسرائيل نهاية العام 2016 بمحاصرة شركات الإعلام الاجتماعي وشبكات التواصل الاجتماعي بقانون جديد يضع عقوبات مالية كبيرة جدًا على الشركات التي لا تتعامل بسرعة مع الطلبات المقدمة من الحكومة الإسرائيلية لحذف المحتوى الفلسطيني الذي يعتبرونه معاديًا للسامية ومشجعًا على الكراهية.
كما نجد الحدّ من الوصول أو إلغاء المحتوى المؤيد للقضية الفلسطينية ضمن قوانين الاتحاد الأوروبي الذي حذر مؤسس منصة "ميتا" مارك زوكربيرغ بشأن انتشار ترويج الأخبار الزائفة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لشركة ميتا، وأن لديه 24 ساعة للرد والامتثال للقانون الأوروبي، كما أرسل المفوض الأوروبي تييري بريتون رسالة إلى مالك منصة "أكس" إيلون ماسك تحذره فيها من أن الجهات التنظيمية لديها "مؤشرات" تشير إلى أن الموقع قد ينتهك قوانين الاتحاد الأوروبي بشأن المحتوى العنيف والإرهابي، وكذلك مكافحة نشر المعلومات الكاذبة، الّا أنّ ماسك رفض التهديد.
ورغم التأكيد على أهمية حرية التعبير إلا أن المنصات التابعة لـ "ميتا" لديها أجندة مع الدول الغربية الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، حيث أقدمت على حذف ملايين المنشورات الخاصة بما يجري في غزة، ومرجعة لتلك القوانين التي تتعلق بالمحتوى، وقدمت تحذيرات من نشر مواد تعتبرها تحرض على الكراهية أو العنف.
القيود على المحتوى العبري
بحسب سياسات المنصات لا يوجد توضيح لرفض المحتوى الفلسطيني أو الإسرائيلي، ولكن هناك مجموعة من الاعتبارات التي تؤخذ قبل تقييد الحسابات، ومنها نوع المحتوى، نوع الصفحات التي يتابعها المستخدم، طريقة تفاعل الآخرين معها، التقييد بحسب المنطقة، وبالتأكيد لا تمارس وسائل التواصل الاجتماعي العقوبات على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بالطريقة نفسها، ويوجد تحيز واضح لصالح إسرائيل، وهذا ما أشار له تقرير "العناية الواجبة ذات الصلة بحقوق الإنسان لآثار Meta في إسرائيل وفلسطين، مايو 2023" الذي أصدرته منظمة الأعمال من أجل المسؤولية الاجتماعية (BSR)، ويشير إلى أن هنالك تمييزاً بين إدارة المضمون بين اللغتين العربية والعبرية في شركة ميتا، بخصوص شركة "أكس"، فلا يوجد أي مصنف للغة العبرية؛ مما يترك المساحة مفتوحة لأي محتوى ضار بدون أية عقوبات، وهو النقيض تمامًا لتعامل المنصة مع اللغة العربية.
ومما يؤكد الفرق والتحيز في إدارة المضمون بين العبرية والعربية أن قام "الفيسبوك" بإضافة مصنف اللغة العبرية في مايو 2021، وفي المقابل يوجد مصنف اللغة العربية لإدارة المضمون منذ العام 2015.
حسب بيانات شركة ميتا فمنذ 7 أكتوبر 2023، أزالت المنصات التابعة لها (7) أضعاف المحتوى الذي ينتهك سياساتها باللغتين العبرية والعربية مقارنة بالشهرين الماضيين، وقدر إجمالي المنشورات المحذوفة بـ 795 ألف منشور وصفتها بأنها "مزعجة أو غير قانونية" للحرب الإسرائيلية على غزة، وحسب بيان الشركة إنها تعمل مع مدققي الحقائق يتحدثون العبرية والعربية، لحظر الحسابات واتخاذ الإجراءات اللازمة، بعد أن أبلغ المفوض الأوروبي تييري بريتون، الرئيس التنفيذي للشركة مارك زوكربيرج، وغيره من الرؤساء التنفيذيين لمواقع التواصل الاجتماعي، بأن منصاتهم كانت مسؤولة عن موجة من المحتوى غير القانوني للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كذلك خفض الحد الذي تتدخل فيه تقنيتها لتجنب التوصية بالمحتوى المخالف، وتقلل من ظهور التعليقات المسيئة المحتملة ضمن المنشورات على تطبيقات فيسبوك وإنستغرام، بعدما انتشرت صور ومقاطع فيديو لم يتم التحقق منها، والتي تصور العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما تتضمن السياسات الجديدة قيوداً على استخدام "فيسبوك" و"إنستغرام لايف" للأشخاص الذين انتهكوا السياسات سابقاً، وقالت الشركة إنها ستأخذ أي محتوى عن الأسرى لدى حماس على محمل الجد، وستحذف المحتوى المنشور والحسابات التي تقف وراءه".
تجاوز المنع
إن التحكم في المحتوى يتم من خلال مجموعة من الخوارزميات تحتوي على معادلات رياضية تقوم بوظائف معينة سواء للمنصة أو المستخدم، بحسب المجال المستخدمة فيه، وهذه الوظائف متغيرة بحسب تطوير الخوارزميات والأدوات المستخدمة والتي منها مسألة التعرف على المحتوى، ولكوننا إلا ما رحم ربي لا نقرأ شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية ونوافق تلقائياً لإنشاء الحساب نقع عادة في فخ "إساءة الاستخدام".
ويمكن التحايل على الخوارزميات من خلال مجموعة من الكلمات والعلامات من نوع إضافة التشويش على الصور حتى يفشل برنامج الذكاء الاصطناعي في التعرف عليها، وكتابة الأسماء مجزأة، أو إضافة علامات ترقيم لها أو أحرف باللغة الإنجليزية أو حتى أيموجي، ومع ذلك تنجح بعض وسائل التحايل وبعضها لا تنجح، ولكن مع مرور الوقت يتم اكتشاف هذه الوسائل والتعامل معها، وفي المقابل تقوم الرقابة البشرية على بعض الحسابات أو من خلال بعض الكلمات المعروفة مسبقاً من خلال الرصد في الكشف عنها والتعامل معها وتقديم بلاغات ضدها، ومع عدم توحيد المعايير بشكل قاطع "خارج الاتحاد الأوروبي" يختلف الحكم بين مراقب وآخر، وهناك تجاوزات كثيرة نظرًا لطبيعة وميول المراقب وغياب الدقة، كذلك التركيز على المحتوى المكتوب أكثر من الصور والفيديوهات، لأن المنشورات البصرية يمكن التعرف عليها بشكل أسرع من قبل الخوارزميات، مع ضرورة وضع قواطع أو تقسيم الكلمة حتى لا تتعرف عليها الخوارزمية.
يمكن تلخيص آليات المراقبة التي تقوم بها الخوارزميات والتي هي أكواد تتحكم في قوة ظهور المنشور أو إخفائه نهائيًا، وترصد الأكواد الاهتمامات الخاصة بالمستخدم وتُظهر المنشورات المرتبطة به، وتعمل هذه الخوارزميات من خلال كلمات مفتاحية وصور يتعرف عليها الذكاء، وفي حال ظهور كلمات مفتاحية تخالف سياسة المنصة تتخذ إجراءات آلية، تبدأ بتقليل التفاعل مع المنشورات، مرورا بإيقاف الحساب المؤقت، وانتهاء بإيقاف الحساب نهائيا، ولمن لديهم حسابات على إنستغرام بالدخول إلى الإعدادات وتغيير وضع (sensitively content) إلى (More)، حينها ستظهر الكثير من المحتويات المحظورة، وفي هذه الأيام عادة ما يكون لها علاقة بفلسطين، والتوقف عن كتابة نص واحد ومشاركته حرفياً في الحملات، فهذه أسهل طريقة للتعرف على محتوى ما وشطبه أو حذف الحساب، وكذلك عدم الإكثار من الهاشتاقات.
وأخيراً إن كانت خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي تعمل على إزالة المحتوى المخالف من خلال تغذية الذكاء الاصطناعي بالخوارزميات التي تعطيه القدرة على التعرف على المحتوى، كما أن بنود سياسة الخصوصية تسمح للشركات بحذف المنشورات تلقائيًا في حال المخالفة، دون الرجوع إلى المستخدم، مع وجود العديد من القوانين الدولية المنظمة للمنشورات تجرم شركات وسائل التواصل الاجتماعي في حال وجود محتوى غير مقبول وفي المقابل نجد أن تعاريف من نوع الكراهية وما شابها لا يوجد لها توصيف واضح فشركات المنصات الاجتماعية لم تجد توصيف للمحتوى الذي يدعو للكراهية مثلا إن كان خطابًا سياسيا؟، أم حرية رأي أو تطرف؟"، وتنشط القوى البشرية ممن يدعمون الرواية الإسرائيلية على مختلف المنصات الاجتماعية يبقى الاستمرار في الكتابة والكشف عن فضاعه الجرم ووحشية المحتل أمر بديهي لا يمكن الصمت حياله أو تجاوز الحدث وكان الجرائم تحدث على مجرة أخرى في هذا الكون.