الإبادة الجماعية الإسرائيلية يجب أن تفشل
يوسف منصور
15-11-2023 09:50 AM
الهجوم على غزة، أكبر سجن في العالم ومعسكر الاعتقال الجماعي الوحيد في العالم، سيكون قد أدى بحلول وقت نشر هذا المقال إلى مقتل أكثر من 12000 فلسطيني، أكثر من 5000 منهم من الأطفال، وإصابة مئات الآلاف، بعضهم بجروح خطيرة. وبالإضافة إلى ذلك، تم تهجير أكثر من 1.65 مليون من سكان غزة من شمال غزة إلى جنوبها. هل تعني الإبادة الجماعية (والتطهير العرقي) أن إسرائيل تنتصر؟ لا.
بداية، ووفقًا للاتفاقية الدولية للإبادة الجماعية (1948)، تشير الإبادة الجماعية إلى أفعال محددة (مثل القتل أو تعمد إلحاق ظروف معيشية تهدف إلى تدمير مجموعة ما كليًا أو جزئيًا) يتم اتخاذها لتدمير جماعة ما كليًا أو جزئيًا بما في ذلك لأسباب عرقية أو قومية.
وهذا بالفعل دعونا نسمي الأشياء بأسمائها فإن ما تفعله إسرائيل من قطع للمياه والغذاء والتنقل والوقود والطاقة، هو إبادة جماعية.
من منظور اقتصادي بحت، تجاوزت تكلفة الحرب على إسرائيل 50 مليار دولار حتى الآن، بالإضافة إلى ذلك، انخفضت الإيرادات الحكومية الحالية والمتوقعة في المستقبل، مما أدى إلى تزايد العجز في الميزانية، وهناك أيضاً انكماش في تدفقات الاستثمار المحلية والمستقبلية، وشعور محلي وعالمي بتزايد عدم اليقين والشكوك حول استدامة هذا الكيان الأرعن.
كما أن الخسائر في الأرواح لدى الإسرائيليين الناجمة عن العدوان على غزة والإبادة الجماعية والتطهير العرقي المخطط لهما في غزة لا يتم الإعلان عنها علناً، ولكنها كبيرة فلقد كانت سياسة إسرائيل خلال النكبة، أي التطهير العرقي للفلسطينيين عام 1948، هي إخفاء خسائرهم والسماح لوسائل الإعلام العربية بإظهار الخسائر العربية لخلق الخوف وتحفيز التهجير القسري. فضلاً عن ذلك، وعلى الرغم من أسطورة أرض الميعاد التي روج لها الصهاينة كثيراً، وادعائهم بالتعلق بها وأن لا بديل لها، فقد غادر مئات الآلاف من الإسرائيليين
إسرائيل وتقدموا بطلبات للحصول على الإقامة في دول أخرى.
هناك شعور مفاجئ ومتزايد بين الغالبية العظمى من الجماهير العربية، وليس بالضرورة كل حكامها، بأن الدولة والجيش اللذان لا يقهرا، يقهران. وأن من الممكن هزيمتهما ببعض من الإرادة والعزيمة وشيء من القوة العسكرية. وبالتالي، عاد إلى الظهور الاعتقاد بأن ما تم أخذه بالقوة يمكن استعادته، بالقوة أيضًا. وهو ما يتجلى في الهتافات والمظاهرات التي خرج بها ملايين العرب، وغالبيتهم من الشباب، في جميع أنحاء المنطقة.
لقد تغيرت مشاعر العالم نحو هذا الكيان المارق. فحسب إحصاءات ظهرت مؤخرا، أكثر من 80% من شعب الولايات المتحدة يعتقدون أن إسرائيل ليست على حق. وكانت المظاهرة التي شارك فيها أكثر من مليون شخص في لندن وحدها قبل بضعة أيام دليلاً أكبر دليل على حدوث تحول. وعلى الرغم من الدعم الكامل لإسرائيل في الأيام الأولى من شهر أكتوبر/تشرين الأول من قبل قيادات دول عظمى، فقد شهد العالم تراجع وتخفيف من حدة التصريحات السابقة، ليس لأنهم أصبحوا مستنيرين فجأة، بل لخروج الناخبين إلى الشوارع مطالبين بوقف اعتداءات اسرائيل.
لنأخذ على سبيل المثال حدثا يحصل لأول مرة، وهو إقالة وزيرة الداخلية البريطانية السابقة، سويلا برافرمان، وهي ابنة مهاجرين هنديين، تتبع البوذية ومتزوجة منذ عام 2018 من رائيل برافرمان، وهو يهودي مهاجر من إسرائيل وولد في جنوب إفريقيا. فقد طلبت في أكتوبر/تشرين الاول من الشرطة في المملكة المتحدة أن تكون أكثر صرامة مع المتظاهرين وإخماد المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين كما تعدت على الإسلام والعرب في خطاباتها السابقة. لم يكن ليلاحظ أو يهتم أحد بمثل هذه التصريحات والإهانات العنصرية التي أدلت بالكثير منها في الماضي وخاصة أنها تتناول أقلية ضعيفة التمثيل في العملية الانتخابية هناك. وربما ساهمت تصريحاتها المضادة للعرب وقضيتهم في مسيرتها السياسية حين تلقت الدعم من مجلس نواب اليهود البريطانيين وهو ثاني أقدم تكتل أو جماعة ضغط في بريطانيا أسسه اليهود السيفارديم عام 1776.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، رفع مركز الحقوق الدستورية دعوى قضائية فيدرالية في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، تحت عنوان "الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال – فلسطين وآخرون. يقاضي الرئيس بايدن ووزير الخارجية بلينكن، ووزير الدفاع أوستن" لفشلهم في منع بل وتواطؤهم في الانتهاكات الإسرائيلية والإبادة الجماعية التي تمارسها الحكومة ضد الفلسطينيين في غزة نيابة عن منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والفلسطينيين في غزة والولايات المتحدة.
إن العالم يتغير، لكن نتنياهو فشل في رؤية ذلك، كما أنه يعتقد أنه سيخسر الكثير إن تم الإطاحة به في الانتخابات وأن يسجن كما حصل لايهود اولمرت. وقد فاجأه هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 حيث لم يكن يتوقع أن تشن مثل هذه المجموعة القليلة المحاصرة في غزة مثل هذا الهجوم الضخم وتنتصر. بتحقيق ما أنجزته من أضرار مادية ومعنوية منها تحطيم صورة إسرائيل التي لا يقهر جدارها الحديدي (جيشها) كما أسماه زييف جابوتنسكي فيلسوف الحركة الصهيونية في عام 1903.
لكي يُعاد انتخاب نتنياهو (وإلا سينتهي به الأمر في مزبلة التاريخ والسجن)، عليه أن يحقق فوزاً حاسما يكون واضح للجميع بحيث يمحو الخوف المتولد في إسرائيل، والشعور بالانتصار بين الجماهير العربية. وهو ما يفسر نهجه المزدوج: الأول هو الإبادة الجماعية الشبيهة بالهولوكوست، والثاني هو التطهير العرقي. ولقد حصل على الضوء الأخضر للتطهير العرقي من الغرب بحسب مصادر منذ عام 2007، لكن آراءهم تغيرت وسط الضجة العالمية حول انتهاكات اسرائيل وجرائم حربها في غزة. ويتجلى الأول بوضوح من خلال قصف المستشفيات والمدارس حيث من المتعارف عليه أن يتجمع الناس خلال الحروب في هذه الأماكن بحثًا عن مساحات آمنة. ولكن بالنسبة لنتنياهو، صاحب الهولوكوست الفلسطيني، فإن مثل هذه الأماكن توفر له فرصة لقتل الكثير من الفلسطينيين بسرعة وبدون مقاومة تذكر وبتكلفة أقل.
لماذا ستفشل إسرائيل؟ لأن العالم لم يعد كما كان. لا يمكن إخفاء الفاشية والنازية الاسرائيلية عن العالم. نحمد الله على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقعها حيث يتم كشف الأكاذيب رغم المؤسسات الإعلامية الرسمية الخاضعة لإسرائيل وداعميها.