بين حربين (اكتوبر 1973 – اكتوبر 2023) .. بلينكن وبيرنز على خطى كيسنجر
أحمد عبد الباسط الرجوب
14-11-2023 11:09 AM
يستمر عدوان الكيان الصهيوني العنصري على قطاع عزة والذي دخل شهره الثاني وقد بدأ ينفذ من رصيد الاحتلال وصار يعمل لصالح المقاومة، فالمشهد الدولي يتغير بفعل انتفاضة الشارع الى جانب فلسطين، والحكومات التي سارعت لنصرة الكيان بدأت تعيد حسابها كي لا تصطدم بشارعها، ورواية الكيان التي راجت مع بدء عملية طوفان الأقصى سقطت، والعملية البرية التي راهن عليها اصيبت بفشل ذريع، والمذبحة المفتوحة بحق المدنيين من اهل القطاع تتحول الى مضبطة اتهام للكيان كله ككيان إجرامي وليس فقط لقادته، والأميركي الذي جاء مهدداً لقوى المقاومة يطلب منها اليوم وقف النار، والمقاومة تقول وقف العدوان على غزة وحده يوقف عمليات المقاومة ضد القواعد الأميركية، والجبهة اللبنانية التي بدأت بعمق معين وسلاح معين وعدد عمليات معين، توسعت تدريجاً ولكن كثيراً، وسوف تتوسّع أكثر فاكثر..
تكشّفت جولة كل من وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ومدير الوكالة المركزية للمخابرات الأميركية (CIA) وليم بيرنز، عن مشروع مزدوج جوهره شراء الوقت لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لارتكاب المزيد من المجازر في غزة وتدمير ما تبقى من مبانٍ ومنشآت فيها، أملاً بأن يحقق جيشه إنجازاً يبرر به القبول بالهدنة الإنسانية التي تتبناها إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن. وزار بلينكن العواصم العربية، بينما اكتفى بيرنز بزيارة تل أبيب. وبينما كان بلينكن ينجح بإقناع حكام الدول العربية المطلة على البحر الأحمر بالتصدّي للصواريخ التي يطلقها أنصار الله من اليمن على عمق الكيان، لأن هذا سوف يساعد في إقناع نتنياهو للقبول بالهدنة الإنسانية. ثم حاول في العراق، لكنه فشل، شراء الأمن للقواعد الأميركية من قوى المقاومة.
وعلى ما تقدم وفي قراءة متأنية لسيناريوهات المسارات السياسية لهذه الحرب (انا لست عسكريا حتى ادلو بتحليلات رحى الحرب المستعرة في القطاع) ، ولكن من التاريخ الممتد ل 75 عاما من الصراع العربي الصهيوني ، ..
(1)
السيناريو " المتشائم عربيا " والذي تعمل عليه الولايات المتحدة ودولة الكيان الصهيوني:
أ. قيام دولة الكيان على تدمير البنية التحتية لحماس وشل قدراتها العملياتية.
ب. انهاء وجود حماس في قطاع غزة.
ت. منع قدرة اي طرف فلسطيني على اهانة الكيان وجيشة كما حدث في 7 اكتوبر 2023.
هذه الرؤية الامريكية هى التي تحدث عنها عجوز السياسة الامريكية هنري كيسنجر لصحيفة معاريف في دولة الكيان نشر يوم الجمعة بتاريخ : 22/9/2023 بمناسبة مرور 50 عاما على حرب اكتوبر 1973: كيسنجر يكشف كواليس حرب 73.. "حاولنا منع أي انتصار عربي" .. كيسنجر يقول عندما رايت انا والرئيس نيكسون الاداء العسكري المبهر للقوات المصرية في تلك الحرب على جبهة القناة وعبور مانع قناة السويس واقتحام خط بارليف المنيع قررنا منع العرب الحصول على اى انتصار على دولة الكيان .. وللتذكير فقد كانت دولة الكيان طلبت من مجلس الامن في حينها وقف اطلاق النار ولكن كيسنجر ونيكسون قد رفضا طلب دولة الكيان بوقف اطلاق النار ، ويضيف كيسنجر لقد أولينا أهمية لخطر أن ينظر إلى الأسلحة السوفيتية على الساحة الدولية على أنها ذات جودة أعلى بسبب النجاحات التي سجلها الجيش المصري ، ومع استمرار قطار الدعم الجوي من امريكا الى دولة الكيان لتمكينهم الحصول على نصرٍ ما يحفظ لهم ماء الوجه حينما تمكن جيش الكيان من تطويق الجيش الثالث الميداني من خلال ما عرف بـــــــ " ثغرة الدفرسوار " وهو ما مكن كيسنجر من فرض السلام الذي لا تقدم فيه دولة الكيان اية تنازلات وهو ما اكد عليه الرئيس الراحل انور السادات رحمة الله في تسجيل فيديو قوله (بقالي احارب امريكا 18 يوم) وانا لم اقدر على ذلك..
وفي ذات السياق وعلى خطى معلمهم كيسنجر فقد سار وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ومدير الوكالة المركزية للمخابرات الأميركية (CIA) وليم بيرنز بترتيبات من شأنها القضاء على المقاومة في غزة من خلال السيناريوهات التالية:
1. الاستعانة بالسلطة الوطنية لحكم غزة مقابل وعود لن تتحقق لحل الدولتين وانشاء الدولة الفلسطينية ذات حكم يتم تفصيلة امريكيا تحت سيادة دولة الكيان.
2. اعادة القوة والزخم الى مسار التطبيع والاتفاقيات الابراهيمية والذي يقوم على اقناع دول الخليج بانكم الاغنياء - وما بالكم والفقراء من العرب - ويمكن الاشتراك مع دولة الكيان في المشروع الهندي المتوسطي (ممر بهارات).
(2)
السيناريو المتشائم امريكيا وصهيونيا:
أ. المقاومة صامدة وتكبد قوات العدو المهاجمة خسائر جسيمة ولم تصل بعد الى نقطة الاندحار والانكسار وانها تستطيع الصمود لفترة اطول مما يعتقدة نيتنياهو وحكومة حربه.وفي ذات السياق ما قاله نيتنياهو الى قناة فوكس نيوز بان هجوم جيش الاحتلال على غزة اخذ وقتا طويلا اكثر مما كنا متصورين وهو ما يؤول الى استنزاف وخسائر في قواته المهاجمه.
ب. حماس تمكنت - برغم مقتل آلاف الفلسطينيين- من "زرع الفوضى والإحباط" داخل دولة الكيان وقفزت بنضال الفلسطينيين لإقامة دولتهم إلى الواجهة العالمية.
ت. الضفة الغربية تغلي وثمة شرارة هناك وقد بدأت تلوح في الافق بوادر انتفاضة شعبية هناك نتيجة ردة فعل على جرائم دولة الكيان في طولكرم وجنين ونابلس وارتفاع اعداد الشهداء من خلال المواجهات مع جيش الاحتلال الصهيوني وهو ما تحدث عنة الرئيس عباس بان ما يحصل في الضفة لا يقل فضاعة وهمجية عما يحصل في قطاع غزة (حماس ليست موجودة بالضفة)..
ث. اشتعال انتفاضة داخل الخط الاخضر (عرب 48) وخاصة على خلفية اعتقال رئيس لجنة المتابعة العليا محمد بركة ورئيس التجمع الوطني الديمقراطي سامي أبو شحادة، بالإضافة إلى نواب سابقين آخرين..
ج. التصعيد التدريجي على الجبهة اللبنانية وما قالة السيد حسن نصر الله في خطاب السبت الاخير التركيز على الميدان وبتصاعد العمليات ضد جيش الاحتلال، حيث سجلت جبهة لبنان تصاعداً نوعياً وهو ما ينبئ على ارتفاع وتيرة المواجهات وتصاعدها..
ح. كلما طالت الحرب على غزة تعاظمت احتمالات توسعها وهناك جبهات أخرى ممكن ان تنفتح..
خ. الحرب على غزة وضعت دولة الكيان في عزلة دولية ونهاية علاقاتها مع الأنظمة العربية المعتدلة؟..
هزة غربال:
- الذين يعولون على سيناريو سقوط المقاومة وتوقف الفلسطينين عن المطالبة بحقوقهم هو ضرب من الوهم والخيال وان قطار التطبيع قد تقطعت قضبانه ولم يعد صالحا للسير عليه..
- غزة جزء من فلسطين ومأساتها امتداد لخمس وسبعين سنة من معاناة فلسطين، وجوهر أزمة فلسطين انها تختصر الصراع مع الغرب وفي طليعته مشروع الهيمنة الأميركية ودون إرادة المواجهة مع هذه الهيمنة لا أفق للفوز بمعركة فلسطين، وحيث يكون الاحتلال تكون المقاومة ودون تبني المقاومة لا تتخذ نصرة فلسطين الجدية المطلوبة..
- ما يقوم عليه الثنائي بلينكن و بيرنز على هندسة رؤية جديدة للشرق الاوسط التي رفع اعمدتها كيسنجر سوف لن تصمد طويلا امام الصحوة العربية والاسلامية والكره لامريكا ودولة الكيان الصهيوني العنصري :وباختصار بان ما قبل 7 اكتوبر ليس كما بعده..
- إسرائيل خاسرة وحماس منتصرة مهما كان شكل نهاية الحرب القائمة بينهما، واشير هنا إلى فرار آلاف الإسرائيليين من منازلهم إلى مناطق آمنة نسبيا بعد هجوم المقاومة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأن المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة صدمة.
خلاصة القول:
- المؤتمرات الصحفية التي يعقدها نتنياهو، مع مجموعة من الصحفيين في دولة الكيان لإطلاعهم على آخر تطورات الحرب على غزة، .. لقد بدا نتنياهو "ملتبسا" و"غير واضح" عند سؤاله عن خطط دولة الكيان في هذه الحرب الظالمة التي تقودها دولة الاحتلال العنصري على قطاع غزة.. فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وشعبية نتنياهو في تراجع بحسب استطلاعات الرأي، كما أن نضاله من أجل الحفاظ على منصبه يتطلب بقاء ائتلافه اليميني المتطرف إلى جانبه..
- يخرج الرئيس الأميركي جو بايدن ليقول للصحافيين " أنا الذي أصدرت أمراً بضرب قاعدة خاضعة لجماعة طهران"! وهو في الحقيقة يخاطب الأميركيين على مشارف الانتخابات الرئاسية المقبلة متفرعناً ومتباهياً بقيادة الولايات المتحدة لقتل الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وإبادتهم عن آخرهم، ولا رهان على الاخوة في الدين والعروبة والجغرافيا، ومثلما كانت داعش تتوق الى الخلافة الإسلامية وهي من الرحم الاميركي الصهيوني كـ "دولة الكيان " التي تخرج من ذات الرحم لذبح الفلسطينيين وخاصة الأولاد التي ترى فيهم مقاتلين لها عندما يقوى عودهم…
- بعد 35 يوما على المذبحة تقف "دولة الكيان " رغم فائض المساعدات الأميركية والغربية، وبعد ان أعدمت نحو 7 آلاف طفل وامرأة عاجزة عن إنجاز نصر عسكري واحد! وعن مثل حالهم اليوم كما وصف بن غوريون منذ عقود "دولة الكيان " بالقلب العليل في جسد رافض.
- تحاول الولايات المتحدة ان تحقق نصراً واحداً لـ "دولة الكيان "، ولا يبدو ذلك متاحا حتى الساعة، وهي الولايات المتحدة لا ترغب في اتساع جبهات الحرب على غزة، ولو تنبّهت الى ردع الصهاينة اعتباراً من 8 تشرين /اكتوبر الماضي لأرغمتهم على التوقف، ولتتحاشى هذا الغضب الذي يعمّ العالم رفضاً للمجازر العرقية وجرائم الحرب التي تغفل عنها المحكمة الجنائية لصالح الولايات المتحدة والغرب المتوحش .
- بعد قرابة خمسة اسابيع على مجازر الصهاينة في دماء النساء والأطفال يستمر الفعل وردّ الفعل على جميع المستويات، ولا يبدو في الأفق ما يشير الى نهاية لهذه المجازر التي ترعاها الولايات المتحدة وحلفاؤها من الأوروبيين، وهو ما يثير قلق المستوطنين ومستقبل بقائهم في فلسطين والولايات المتحدة من عدم وجود تصوّر لإنهاء هذه الحرب الدموية، وهو ما بدا جليا وواضحا فشل العملية البرية التي طالما هدّد بها نتنياهو الذي يتأرجح بين نصر عسكري مستحيل ، وهناك عامل آخر انّ جيش "دولة الكيان " لم يخض حرباً كهذه منذ عقود وانّ الاندفاع الى التدخل دون استعداد لمجرد إشباع التعطش للانتقام سيكون فشلا واندحارا تلاصق الجيش الذي لا يقهر في سفر التاريخ …
عاشت فلسطين حرة عربية من المياه الى المياه..
* باحث وكاتب اردني