لم تترك إسرائيل جريمة حرب إلا وارتكبتها، مخالفة بذلك مبادئ القانون الدولي العام، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الجنائي الدولي التي تنص جميعها على ضرورة تجنيب المدنيين النزاعات المسلحة وآثارها الكارثية، ويبدو أن القادم أعظم في ظل تواطئ دولي مع ما يشهده أبناء القطاع المحاصر أصلاً منذ أكثر من 16 عاماً، والذي يعاني من انعدام كامل لكل مقومات الحياة، وانهيار في المرافق الصحية والتعليمية والتجارية.. انهيار فاقمته الحرب، وألقت بثقلها عليه.

ولنأتِ عليها واحدة تلو أخرى؛ فقد قصفت إسرائيل المستشفيات وأماكن العبادة والمدارس والمنظمات الإنسانية في انتهاك صارخ وواضح وصريح للقواعد القانونية الواردة في اتفاقيات جنيف، والبروتوكولين الملحقين، ولم تكتف بقتل المدنيين والصحافيين العاملين في الميدان، بل قتلت أيضاً "الأطفال الرضع" والخداج في انتهاك ربما يعجز العقل عن استيعابه، وهو مقدمة لجرائم كثيرة ربما لن تتوقف.

في المقابل، حاولت مختلف القنوات المختلفة الدبلوماسية الضغط على إسرائيل، وكان للأردن دور دولي كبير في التأكيد على أهمية عدم تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وأكد على ذلك - أكثر من مرة - وزير الخارجية أيمن الصفدي بأن "أي محاولة للتهجير سوف تشكل إعلان حرب سيتعامل معه الأردن بحزم"؛ فلا وطن للفلسطينيين إلا بلادهم على ترابهم الوطني، وما تفجر الأوضاع إلا بسبب تعنت الاحتلال، ومحاولته التوسع على حساب أراضي الفلسطينيين، وهو موقف تماهى تماماً مع موقف مصر الرسمي.

وبالعودة إلى الاتفاقيات الدولية سنجد أن الحماية المقررة بموجب اتفاقيات جنيف "عاجزة" لأن منطق القوة هو الذي يسري في الحالة الفلسطينية؛ حيث يعاني الفلسطينيون اليوم انهيار كل مقومات الحياة وهم مهددون في كل لحظة من حياتهم، وقد استهدفوا وتعرضوا لأعمال لا إنسانية بصورة لم تقم وزناً للقانون الدولي الإنساني ولاتفاقيات جنيف التي يفترض أنها "تتّسع لحماية المدنيين وتشمل الأفراد الذين يحاولون مساعدتهم لاسيما أفراد الوحدات الطبية والمنظمات الإنسانية أو هيئات الإغاثة، فضلاً عن النساء والأطفال والأشخاص المسنين والمرضى الذين يصنفون ضمن الفئات شديدة الضعف أثناء النزاعات المسلحة.. وكذلك الأشخاص الذين يفرون من بيوتهم فيصبحون نازحين داخل بلدانهم أو لاجئين؛ حيث يحظر القانون الدولي الإنساني الترحيل القسري عن طريق ممارسة التخويف أو العنف أو التجويع".

تكرر إسرائيل مآسٍ إنسانية عاشها الفلسطينيون، كمذبحة دير ياسين ومذبحة دير أيوب ومجزرة قلقيلية ومذبحة الأقصى الأولى ومذبحة الأقصى الثانية ومذبحة الخليل ومذبحة قبيا ومذبحة يازور وغيرها من المذابح والمجازر التي شكلت وما زالت تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية وما زالت راسخة في العقل الجمعي الفلسطيني، كدليل واضح على أن القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ليس إلا حبراً على ورق.. ومجرد قواعد نظرية لا وجود لها في التطبيق العملي؛ فكل ما يقال ويطبق إنما يمثل منطق القوة فقط، القوة القائمة على القتل والتدمير وانتهاك المحرمات واستباحة الدماء لمدنيين ونساء وأطفال رضع.. رحم الله القانون الدولي الإنساني، فهو في عداد الضحايا تماماً كما أطفال غزة.