بين اعلام الحقيقة واعلام الخديعة
فيصل تايه
13-11-2023 09:42 PM
في الوقت الذي يحصد فيه القصف الإسرائيلي الوحشي أرواح ابناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة من أطفال ونساء وشيوخ ، تشتعل مواجهات أخرى على أصعدة عالمية عدة ، فكرية وسياسية واعلامية واقتصادية وفنية واجتماعية وغيرها ، لكن اهمها الحرب الإعلامية الموجهه ، التي تشهد معركة حقيقية ، تعكس تباينًا واضحًا فى الرؤى بين الشرق والغرب ، لدرجة دفعت بعض وسائل الإعلام الغربية العالمية الكبرى المعروفة إلى التخلى عن المعايير المهنية دفاعًا عن الرواية الإسرائيلية ، اذ ما زال الإعلام الغربي يتماهى بالسردية الإسرائيلية التي وصمت المقاومة الفلسطينية بالإرهاب ، واعتبرت القصف الإسرائيلي الانتقامي من مبدأ الدفاع عن النفس .
اننا ونحن نتحدث عن الحرب الإعلامية التي تخوضها دوله الكيان الإسرائيلي ، والتي كانت وما زالت من أهم الوسائل المصاحبة لأزيز الرصاص وهدير القذائف ، وخوض غمار المعركة العسكرية مع عجلات الدبابات ، ومع صواريخ الطائرات ، فانها تسعى للمساعدة في تهيئة أجواء الحرب والتفنن في إدارتها ، فمن غير المبالغة القول ، ان قدرة الإعلاميين الإسرائيليين وحلفائهم على ادارة المعركة اعلامياً ، ساهمت في قلب الحقائق وتسويق الأوهام بما يملكونه من سقوط مهني وأخلاقي ، لتجعل الاعلام الغربي منحازاً تماماً لسرديتهم ، وتكريس الصورة النمطية المشوهة للحقيقة ، بل وأصبح وكانه طرفاً في هذه الحرب ولاعباً أساسيا فيها ، باستخدام ادواته الدعاية الكاذبة وتزييف الوقائع لتضليل الشعوب والتأثير على الرأي العام وتبرير الخروقات السياسية والعسكرية للجيش الإسرائيلي ، والتروبج للعدوان الاسرائيلي على غزة على انه عدوانا مشروعا .
من هنا فليس خفيا أن الإعلام الإسرائيلي لديه خبرات كبيرة في حرب التضليل حيث يضع عناوينا لحروبه ، ويستخدمها بدلالات عميقة ومحددة تخدم هدف التخويف والترهيب بجانب أهداف فرعية داعمة في إطار حرب نفسية موجهة ضد الفلسطينيين ، وبناء على ذلك ، فإن المتابع للعدوان الحالي على قطاع غزة ، يصاب بالدهشة من تلك المهارة التي تميز بها الإعلام الإسرائيلي في تضليل ما يخفيه على المستوى العسكري والأمني والسياسي ، عبر التغطيات الصحفية والإعلامية والتي اعتمد فيها على ادواته الاعلامية المجربة لنقل صورة متقنة للعمليات العسكرية ، بمتابعة مباشرة من هيئة الإعلام القومي الإسرائيلي ، والتي تقوم ببث خطاب تبريري للعدوان على غزة وحقيقة استمراره ، وباساليب معدة اعداداً توضيحياً احترافياً متقناً ، لتّعتمد كمصدر "موثوق" لوسائل الإعلام العالمية ، ومن خلال الاعتماد على وسائل التكنولوجيا الحديثة والسوشال ميديا ومواقع التواصل الإجتماعي والتي باتت أكثر سمات الفضاء المفتوح شهرة ، وذلك لبث خطاب تعاطفي مخضب .
يجب ان نعي تماما أن ما ينشره الإعلام الإسرائيلي يقود الى حملة تحريض وتشويه واسعة وناجحة خلال العدوان الهمجي على قطاع غزة ، بحيث يتم تصوير الواقع أمام العالم بأن "غزة" دولة ارهابية قوية نخوض الحرب معها بامتلاكها أسلحة قادرة على محاربتها ومواجهتها ، ولم تكتف هذه الرواية الاعلامية الإسرائيلية المضللة بقض مضاجع السياسيين في العالم ، بل تسللت إلى قلوب وعقول الشعوب في مختلف دول العالم ، بحيث تتضمن تبريرات ان "الفلسطينيين" يمارسون ارهابا داعشياً متوحشا على الإسرائيليين من خلال تصوير المدنيين الإسرائيلين كضحايا ، ونشر خرائط تبين مدى الصواريخ التي تنطلق من غزة باتجاه المدن الفلسطينية المحتلة ، اذ يعمل باتجاه تبرير حربه الإجرامية على غزة ، لحشد التأييد ليكون دافعًا لكسب المواقف المتشددة وتبريرا لعدوانه تجاه قتل الفلسطينيين .
بقي ان اقول ، ان الإعلام الإسرائيلي يعيش استمرارية التجنيد الذاتي للمصالح الخاصة التي تدعم مواقفه العدوانية ، فهناك دافع ذاتي داخل مؤسساته الإعلامية تجعل من كل فرد فيها يمارس دوره الاعلامي الوطني ، ليكون قادراً على التأثير فى الرأي العام العالمي بمختلف الادوات .
وأخيرً ، فاننا وفي مواجه كل ذلك ، بحاجة الى صناعة مضمون اعلامي موجه الى اوسع نطاق نبني من خلاله سرديات تقدم رواية تظهر حقيقة ما جاءت ضمنه التطورات الأخيرة ، وتتداخل فيها أدوات عدَّة لصياغة خطاب سياسي متقدم ، يبني وعياً جماهيرياً عربياً ودولياً يدحض السرديات الإسرائيلية المزيفة ، فالحسم لم يعد ميدانيا بقدر الحاجة الى رسم خريطة من المقاربات التي تحمل في باطنها نظرة تشخص جذور الصراع العربي الاسرائيلي ، يتسم بوعي قادر على مواجهة ما يدور حوله من رهانات إقليمية ودولية .
والله ولي الصابرين ..