غزة وقوة السياسة الخارجية
د. ميسون تليلان السليم
13-11-2023 10:50 AM
في حرب غزة الدبلوماسية ساحة معارك حقيقية لا تقل ضراوتها وصعوبتها عن تلك العسكرية مع اختلاف الأدوات والأساليب من تكتيك عسكري إلى تكتيك سياسي ومن دبابات ومدافع إلى أوراق ضغط لها القدرة الكافية للتأثير على مسار العمليات العسكرية على الأرض، وعلى مواقف الدول تجاه الأزمة، وأكاد أجزم أن الأبطال الحقيقين لهذه المعركة هما الأردن ومصر بالدرجة الأولى، وأكاد أجزم أنهما يحققان انتصارات كبيرة في هذه الحرب وضعت اسرائيل أمام خيارات صعبة، وأجبرتها عمليا من تحويل مسار حربها الشاملة على غزة إلى عملية عسكرية محكومة بضغوطات دبلوماسية تهددها بالفشل الذريع إن لم ترضخ.
يبدو أن اسرائيل ومنذ زمن بعيد قررت داخليا عدولها عن حل الدولتين واستبدلته باستراتيجية فرض واقع على الأرض ومن ثم الدعوة لقبوله وقوننته، والواضح أيضا أن الأردن ومصر بالحنكة السياسية المحكمة والخبرة الدبلوماسية أدركتا هذه النوايا مباشرة، وعملتا على افشالها وهذا ما برهنه مرور الوقت، فالمعاهدات الدولية المبرمة والتي كان للأردن ومصر الدور الأكبر فيها وضعت اسرائيل في مآزق كثيرة خلال تنفيذها لهذه الاستراتيجية، وأجبرتها في كثير من الأحيان على تغير خططها والعدول عنها، وأثبتب للمجتمع الدولي أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية -كما أشار له ويشير دائما جلالة الملك- هو الحل على أساس الدولتين، وإن محاولة فرض واقع جديد على الأرض سيدخل المنطقة برمتها في صراع طويل الأمد لا يمكن انهاؤه بالقوة العسكرية مهما بلغت.
السياسة الخارجية الأردنية ممثلة بجلالة الملك بالدرجة الأولى، ووزارة الخارجة وشؤون المغتربين تعد البطل الحقيقي في حرب غزة الدبلوماسية، والجهود المضنية والمثمرة التي تبذلها تستحق أن تُعطى حقها الكافي من التقدير كونها حرب تجري أغلب أحداثها خلف الكواليس وفي كثير من الأحيان لا يتم تسليط الضوء عليها بشكل كاف نظرا لطبيعتها وخصوصيتها، ولكن يجب علينا كمواطنين أن ندرك أهمية الحرب الدبلوماسية ونقدر بطولات الأردن وتضحياته فيها، ونطمئن للحنكة السياسية الكبيرة التي لطالما سُخرت لخدمة هذا الوطن ولخدمة قضايا أمتنا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
أختم مقالي هذا باقتباس من كلمة جلالة الملك عبد الله الثاني التي ألقاها في القمة العربية الإسلامية حول غزة في الرياض قبل أيام: «لقد كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن غزة انتصارا للقيم الإنسانية وانحيازا للحق في الحياة والسلام واجماعا عالميا لرفض الحرب، وهو قرار جاء بجهد عربي مشترك، وهذا القرار يجب أن يكون خطوة أولى لنعمل معا لبناء تحالف سياسي لوقف الحرب والتهجير أولا وفورا، والبدء بعملية جادة للسلام في الشرق الأوسط وعدم السماح لإعاقتها تحت أي ظرف، وإلا فإن البديل هو التطرف والكراهية والمزيد من المآسي..».
"الرأي"