في أيامنا التي لم تكن حلوة في المدرسة الإبتدائية كان معلم المدنيات يشدد علي ديموقراطية النظام في اسرائيل ويجهر في دعوته هذه كي يسمعه المدير المتنصت من مكتبه القريب فيرضي وينقل للمفتش الذي ينقل للوزارة لترضي عن نفسها وعنهم أجمعين! كان الأستاذ المرضي عنه يجري لنا في نهاية العام الدراسي مسابقة في المدنيات بحضور ضيوف مهمين علي رأسهم قائد شرطة منطقة الجليل وبعض رجاله ويبدأ الأستاذ بالأسئلة التي دربنا عليها أياما.. ما هو تاريخ استقلال الدولة؟ ونوع النظام في اسرائيل والدول الاخرى ثم اسماء الوزراء (الحسني) الى أن تصل اللحظة الأكثر اثارة في الاحتفال بسؤال.. من هو وزير الشرطة؟ فنتسابق كي نجيب باسم الوزير الثلاثي (موشيه حاييم شابيرا) وكأنه من اولاد حارتنا فيصفق لنا رجال الشرطة والمدير وبعض الأهالي وهم مبتسمون ومهنئون، معلم المدنيات رغم علمه الواسع نسي أن يذكر لنا أمرا هاما عرفناه بجهودنا الخاصة، فهو لا يستطيع الدخول الي قريته الأصلية التي لا تبعد عن قريتنا سوي أربعة كيلو مترات إلا بتصريح من الحاكم العسكري، وعرفنا فيما بعد أن عائلته الفقيرة التي تعيش في براكية من الزنك علي طرف قريتنا كانت من العائلات الكبيرة والمتمكنة في قريته التي صادرتها الديمقراطية بأرضها وبيوتها وشجرها وماشيتها لصالح دائرة اراضي اسرائيل، وهو واحد من مئات الاف اللاجئين داخل وطنهم!
وها هو وزير الحربية وبعد ثمانية وخمسين عاما علي نكبتنا التي تجاهلها معلم المدنيات المنكوب يقترح استوزار نائب عربي من حزب العمل.
الإعلام الإسرائيلي وحتى قبل مصادقة الحكومة أطلق عليه لقب (الوزير العربي الأول) متجاهلا بهذا عروبة ضابط سابق في جيش الاحتلال هو صالح طريف الذي سبقه الي منصب وزير بلا وزارة وذلك أنه درزي والدروز حسب دروس (المدنيات) كفوا عن كونهم عربا منذ خمسينيات القرن الماضي باستثناء من يصر منهم على عروبته وحينئذ تحل عليه وعلي نسله لعنة الوزارات كلها! طريف اختتم الوزارة بالاستقالة الإضطرارية والحكم عليه بالعمل لستة أشهر في الخدمة لصالح الجمهور بعد اصابته بمرض الرشوة المعدي الذي ينتقل عن طريق ملامسة المؤخرة لكرسي الوزارة.
أن يكون وزيرالعلوم والثقافة والرياضة والشباب في اسرائيل عربيا يدعي غالب مجادلة ومن باقة الغربية فهذا أمر جلل ولكن كما يقال (الاسم كبير والفتّ شعير)، فالعلوم لا علاقة لها بوزارة العلوم منذ ابتكار هذه الوزارة عام 1982 لإرضاء أحزاب الائتلاف، ثم ان علوم مجادلة نفسه تقتصر علي كيفية تجنيد الأصوات لحزب العمل منذ نعومة أظفاره، أما بالنسبة للثقافة فهذه التي كانت قائدا وموجها ثوريا وتعبويا لجماهير ما تسمي مناطق 48 أصبحت عن طريق هذه الوزارة وبتواطؤ الكثيرين من (المثقفين) العرب هلامية بلا شكل ولا طعم ولا رائحة أو لون وتبقي الرياضة،وبما أن رياضتنا المفضلة والأكثر رواجا هي كرة القدم،فبالإمكان تسميتها وزارة كرة القدم.
مجادلة المقترح لوزارة (الفطبول) شكل نموذجا صارخا للسياسي الانتهازي وللعربي (القذر ـ الغدار ـ الخائن) كما يراه 75% من الشبان اليهود حسب استطلاع أجرته جامعة حيفا، فهو قبل أشهر تشدد وطالب بانسحاب حزب العمل من الحكومة لضمها المتطرف ليبرمان حتي انه سبّب خجلا وإحراجا لرفيقه اليهودي الوزير (أوفير بينيس) الذي أخذ تشدد مجادلة علي محمل الجد واستقال من الوزارة نفسها وها هو مجادلة يتهافت ويستلحم كي يربخ مكانه!
ليبرمان وشركاه رأوا انها بداية النهاية لدولة اسرائيل وفي غضبة مولدافية طالب ليبرمان بيرتس بالاستقالة واتهمه بأنه لا يؤتمن علي أمن اسرائيل بسبب فعلته المشينة التي تخدش حياء الدولة اليهودية والتي تضر بتخطيطه الاستراتيجي لتطفيش العرب! أما خطوة بيرتس (التاريخية) بتوزير عربي فلم تأت كاعتراف بحق عرب هذا الحزب بالمساواة والشراكة في صنع القرارات بل جاءت كخطوة منه لاستعادة شعبية خسرها بين اعضاء حزبه العرب بعد افعال وزارته المشينة وجرائمها في لبنان وفلسطين وذلك في محاولة لإنقاذ نفسه أمام الجنرالين (ايهود باراك وعامي ايلون) في الانتخابات الداخلية للحزب التي ستجري بعد حوالي أربعة أشهر! خصوصا وأنه لم يثبت لليهود كفاءة في الشدائد وتحولت مقولته (حسن نصر الله لن ينسي اسم عمير بيرتس الي الأبد) الي مادة ملهمة لزوايا الساتيرا في الصحف والبرامج التلفزيونية الترفيهية وبات مؤكدا أنه سيدرس بعد تقاعده المبكر تاريخ نشأة الشيعة وسيعرف ما هي الإثنا عشرية بدون الاستعانة بصديق! أولمرت بدأ يتملص بشكل (ديمقراطي) من توزير مجادلة المقترح من قبل شريكه بيرتس وبدأ بوضع الكثير من العراقيل وقد يبادر لقلع هذه الوزارة من جذورها أو اقتصارها علي الجانب الكروي إرضاء لنفسه ولحلفائه من يمين اليمين! أما مجادلة فسوف يحاول تقديم بعض الإنجازات للجمهور العربي في البلاد، لكن وكما قلنا ولأسباب خارجة عن سيطرته ستقتصر وزارته علي الجانب الكروي (هذا اذا زبطت معه) والتي بدأها بتسجيل هدف ذاتي في مرماه بقبوله التهام ثمرة هذه الشجرة التي سبق أن لعنها بلسانه هو نفسه وطالب رفاقه بتجنبها، أما بالنسبة لأسماء الوزراء الذين كنت أحفظ أسماءهم الثلاثية في الابتدائية فلا أعرف اسم أحدهم وما هي وزارته في هذه الأيام إلا عندما يدعي الي التحقيق بتهمة إصابته بالعدوي التي يسببها احتكاك المؤخرة بالكرسي إياه.
كاتب من فلسطين (القدس العربي )