مـن الرياض .. الملك يوجه رسالة للعالم
أحمد الحوراني
13-11-2023 12:10 AM
يوظّف جلالة الملك عبدالله الثاني المناسبات واللقاءات المحلية والإقليمية والعالمية وبمنتهى صور الشمولية والإتقان ويتكلم بلغة واضحة وصريحة وجريئة ويؤكد بمضامينها إن الأردن يبقى صوت الحق والاعتدال الباحث دومًا عن العيش بأمن وسلام واطمئنان لبني البشرية جمعاء دون النظر إلى دين أو عرق أو جنس أو لون، وها هو وفي خضم تداعيات الحرب على غزة من أكثر من خمسة وثلاثين يومًا ما انفك يحذر من النتائج الكارثية التي ستترب على الحرب وتقود المنطقة إلى الهاوية وإلى منحدرات ومزالق خطيرة لا تُحمد عقباها، بل إنه وفي كلمته الأخيرة يوم أول من أمس في أعمال القمة الإسلامية التي استضافتها المملكة العربية السعودية وعُقدت في الرياض، قد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما حذّر من اتساع تبعات الحرب و قال (إن العالم سيدفع ثمن الفشل في حل القضية الفلسطينية، ومعالجة المشكلة من جذورها)، ولعلّه أراد بهذه الكلمات إيصال رسالته القوية المدلولات والابعاد، ولسان حال جلالته يقول (اللهم قد بلغت).
للإنصاف ولتبيان الحقيقة، فإن جلالة الملك وحيث ضمّن كلمته الكثير من الحقائق التي تحتاج كل منها إلى وقفة وتحليل وقراءة، فإنما ذلك يعطي مؤشرًا فاحصًا وثاقبًا على دقة وحسن قراءة جلالته للمشهد بإمعان ومن مختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ويقودني ذلك إلى سلسلة الكلمات والخطابات والمقابلات التي أجراها جلالته قبل وأثناء الحرب على غزة والتي كانت تحذيراته فيها واضحة ومعلنة وبما مؤداها إن انعدام العدالة والظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وفشل العالم في التوصل إلى حلول تنتج سلامًا عادلًا وشاملًا، لسوف يفجّر الأوضاع في أية لحظة وسينجم عنها شلالات من دماء الأبرياء من الجانبين بلا هوادة.
ثمّة حقيقتين جديرتين بالتذكير من مجموعة الحقائق التي وردت في كلمة جلالة الملك، الأولى تساؤله عن حجم المأساة الإنسانية التي تواجه الأهل في غزة اليوم، والتي كان ممكن تفاديها مسبقًا لو أن العالم اتخذ إجراءات وقائية جادة وتحرك بجدية والتزام وقام بتسخير إمكانياته السياسية والاقتصادية والدبلوماسية واقتنع وأدرك وآمن بأن السلام العادل الذي يمنح الأشقاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة على أساس حل الدولتين هو السبيل الوحيد للاستقرار ووضع حد لمشاهد العنف والقتل والتدمير والقضاء على كافة مقومات الحياة وأبسط الحقوق بالعيش من ماء وغذاء ودواء وكهرباء، فضلًا عن الاستهداف الممتد وغير المشروع وغير المقبول لدور العبادة من كنائس ومساجد، مرورًا بالمدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء.
وأما الحقيقة الثانية التي ينبغي قراءتها بإمعان، فتلك التي كانت على الدوام تمثل أهم ثوابت خطابه السياسي، عندما راح جلالته يُذكر بالقيم الإنسانية والقواسم والجوامع المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية والتي تلتقي جميعها على غايات نبيلة واحدة تتمثل في رفضها لقتل المدنيين وكل شكل من أشكال الوحشية والهمجية التي نشاهدها صباح مساء في غزة، وهنا كان مكمن تحذير جلالته الذي يستحق القراءة المتأنية خاصة عندما أشار وحذّر من تبعات خطيرة إذا ما تحولت (قضيتنا الشرعية العادلة إلى بؤرة تشعل الصراع بين الأديان).
خلاصة القول إن جلالة الملك وجّه رسالة قوية للمجتمع الدولي السياسي والإنساني والحقوقي والأخلاقي، عبّر فيها عن موقف الأردن ورؤيته وإيمانه بضرورة التوقف الفوري والعاجل وغير المشروط للحرب، ومؤكدًا فيها إن طريق البناء والإعمار والتنمية والإيذان بحياة حرة آمنة ومستقرة لمختلف الأطراف لا يمكن أن يمر إلا من خلال السلام، وعلى هذا الأساس فإن العالم عليه أن يستجيب فورًا لنداءات جلالة الملك ويسارع إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الرأي