التواصل الاجتماعي وإعادة تشكيل الوعي الأوروبي
د. مالك القصاص
12-11-2023 02:43 PM
لم يعد مخفياً الدور البارز الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فقد اصبحت تلعب دورا مهماً، ليس فقط في إيصال المعلومة، بل ايضاً في تنمية وتشكيل الوعي المجتمعي والفكر السياسي لكافة اطياف المجتمع، وحيث ان اغلب مستخدميها هم من فئة الشباب، فهم الأكثر تأثراً بها وبالقضايا البارزة على مختلف تطبيقاتها.
لكن، ورغم انها تعد عند المعظم وسيلة ترفيهية سلمية، الا انها تتعرض في أحيان أخرى الى إساءة للاستخدام، عبر استخدامها في نشر اخبار كاذبة، خطابات كراهية ومعلومات مزيفة مما يؤثر سلباً على الوعي المجتمعي للفئة المتأثرة بما يتم تداولها على مختلف المنصات سواء اكان مكتوباً ام على شاكلة فيديوهات منتجة باحترافية، وبالتالي تعمل على نشر الوعي المزيف وتزيد من الاضطرابات الاجتماعية مما يسبب بإيذاء مستخدميها كما تشير العديد من المؤسسات والمنظمات في أوروبا.
وفي سبيل مكافحة المحتوى المزيف قامت المفوضية الأوروبية مؤخراً بإطلاق وحدة بحثية خاصة تحت مسمى "المركز الأوروبي للشفافية الحسابية أو الخوارزمية The European Centre for Algorithmic Transparency (ECAT)" الذي افتتح في 18 أبريل 2023 في مدينة إشبيلية في إسبانيا، ويهدف المركز الى تقديم المشورة للمفوضية الأوروبية بشأن تنفيذ قانون الخدمات الرقمية الأوروبي، كما يسعى الى تعزيز شفافية الخوارزميات التي تستخدمها شركات التكنولوجيا ومنصات الانترنت في توجيه مستخدميها إلى محتويات معينة.
إذا، لماذا نحن كعرب يهمنا ما يحدث في عالم الخوارزميات الرقمية واخر التطورات الطارئة على وسائل التواصل الاجتماعي؟، الإجابة على هذا السؤال تتمحور في اننا كعرب في المهجر ام في بلداننا الأم أكثر المتأثرين بها، ففي الآونة الاخيرة ساهمت منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير في تشكيل وعي مجتمعي وسياسي جديد في أوروبا عبر التأثير في كافة فئات المجتمع فيما يمس القضايا العربية، وخصوصاً القضية الفلسطينية والهجمات الواقعة على قطاع غزة من قبل الجيش الإسرائيلي، اذ ان العديد من الأوروبيين بدأوا ينظرون الى القضية الفلسطينية بمنحنى بمختلف اكثر استشعاراً للألم الفلسطيني، واصبحوا اكثر استيعاباً لما يحصل في العالم العربي واكثر تفهماً له، حيث اكد لي الكثير من الاصدقاء الايطاليين من سياسيين وصحفيين التقي بهم بشكل متكرر إثر العلاقات الأسرية والصداقات في إيطاليا حيث أقيم، ان منصات التواصل الاجتماعي أصبحت لاعباً مهماً ومؤثراً كبيراً على الوعي عند الجمهور الأوروبي وذلك ما يستشعرون به في إيطاليا، واصبح هناك ابجديات مختلفة في التعاطي مع القضية الفلسطينية وفهم جديد واكثر احاطة للصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
لذلك فإن اليوم علينا دور اهم وأكبر في استيعاب الخطاب الأوروبي وتحسين لغات تواصلنا مع فئات الشباب الأوروبي وايصال صوتنا الرسمي فيما يخص قضايانا بأساليب ومنهجيات تتناسب مع لغة العصر، ورغم ان العديد من الشباب والشابات العرب أبدعوا ونفتخر بإنجازاتهم، الا اننا نشهد نوعاً من التقاعس عند الخطاب العربي الرسمي في استخدام منهجيات متطورة وبلغات مختلفة في سبيل إيصال صوتنا وايضاح افكارنا التي تم تشويهها في العقود الماضية، اليوم نحن امام مفترق طرق، وفرصة امامنا يجب ان نحسن استغلالها.. فهل سنحسن ذلك؟..