عن الجدل حول وطنية حملات المقاطعة ..
محمد الحمدات
11-11-2023 12:57 PM
تصبح الكتابة أمرًا صعبًا تحت وطأة الحزن وصور القتل والهدم وصرخات النساء ورعشات الأطفال، لا يمكن للعقل أن يكون باردًا، ولا زالت آلة التدمير الإسرائيلية ترتكب جرائم الحرب بحق الشعب الفلسطيني، ولكنها محاولة لتقديم شيء ما قد يؤسس لواقع مختلف عما قريب
المقاطعة: لإعادة ضبط هذا المفهوم، وعن دوافعه
بدأت حملات مقاطعة العلامات التجارية الداعمة لآلة القتل والتدمير الإسرائيلية، كرد فعل شعبي سلمي ومنظم وبسلوك مدني وحضاري يهدف إلى إيصال رسائل إنسانية، أن هذه الشعوب لا زالت حيّة وإن فصلت بينها الحدود والحواجز، إلا أنَّ هذه الشعوب ترى نفسها دومًا معنية بالوقوف إلى جانب من هم أكثر من أشقاء في الإقليم، والمقاطعة في جوهرها هي ليست رسالة سياسية فقط وإن كان جزءا منها كذلك، ولكن السياسة ليست قضيتها الأساسية وسنأتي على توضيح لاحقا، فهي مقاطعة لا تحمل ضغينة ضد نظام سياسي أو جماعة هناك خلاف معها حول قضية سياسية، بل هي رسالة إنسانية تطالب هذه العلامات التجارية ذات الانتشار العالمي والتأثير الكبير أن لا تكن شريكةً في قتل الإنسان وتدمير منزله وتهجيره من أرضه، وهذا التعبير الانساني المؤسس على قاعدة أخلاقية واضحة المطالبة بتحقيق السلام والتشجيع عليه، ومن المهم إعادة ضبط هذا المفهوم، فالمقاطعة ليست لمنتجات أو مستثمر وطني وإنما هي مقاطعة لعلامات تجارية عابرة للقارات والحدود والدول، والفرق بين مقاطعة العلامة التجارية وبين مقاطعة منتج بعينه أو مستثمر محدد، فرق جوهري وكبير..
فرق جوهري، لحسم الجدل حول المقاطعة:
عندما يثور الجدل حول تأييد هذه المقاطعات، يذهب معارضو هذه المقاطعة إلى الرأي القائل: أن هذه المقاطعة لن تضر الا بالمستثمر الوطني، بل وقرأت مادة اليوم تتحدث عن أثر هذه المقاطعة على العائدات الضريبية للدولة، وهذه مسألة غير دقيقة حقًا، فاستبدال منتج يحمل علامة تجارية داعمة لدولة الكيان بمنتج وطني بديل له، وبنفس كميات الاستهلاك، لا يؤثر على عائدات الضرائب، فالعلامة الوطنية والأجنبية كلاهما يدفعان الضريبة، لنعود الآن لنشرح الفرق بين مقاطعة المنتج أو المستثمر وبين مقاطعة العلامة التجارية، حسنًا، مقاطعة العلامة التجارية تعني أن المستهلكين الذين قرروا المقاطعة إذ اتخذوا هذا القرار وانتهجوا هذا السلوك لم يمنعوا أنفسهم عن هذا المنتج بل بدأوا بالبحث عن منتج بديل له بعلامة تجارية غير داعمة لدولة الكيان، وعندما قرروا هذه المقاطعة لم يأتي قرارهم نتيجة ضغينة تجاه المستثمر الوطني الذي حصل على حق امتياز هذه العلامة التجارية ولربما لو قرر هذا المستثمر الحاصل على حق الامتياز أن يقدم هذا المنتج نفسه بعلامة تجارية أخرى وطنية متصلة مع قضايا الإنسانية وغير داعمة للقتل والإرهاب أن يشهد إقبالًا غير اعتياديا على منتجه، لأن لا رغبة في مقاطعته شخصيًا.
وإن من أهم آثار هذه المقاطعة إن كتبَ لها الشعب الاستمرار طويلاً، أن تجبر هذه العلامات التجارية على سحب علامتها من البلاد التي نجحت في مقاطعتها لوقف النزيف في أسعار اسهمها عالميا والذي تسبب به خيار المقاطعة، نشاهد أسواقنا محررة من العلامات التجارية الأجنبية، وهذا مؤشر مهم على قوة الاقتصاد والثقة علاماته التجارية، وباب آخر لتصدير منتجاتنا الوطنية للخارج وبالتالي توفير فرص العمل وزيادة الانتاج وتقليل العجز في الميزان التجاري، وبالتالي
اقتصاد أقوى وسوق محرّرة
المقاطعة: تمرد ناعم على ثقافة الاستعمار
لن يتوقف تأثير المقاطعة للعلامات التجارية الدولية الداعمة للكيان - إن استمر- على الأثر الاقتصادي، بل هو تحول ثقافي يعكس ثقافة راغبة في التخلص من هيمنة الثقافات الأخرى على وطنه، دون أن ننسى أنه في كثير من الحالات لم يكن طريق هذه العلامات التجارية الغازية لبلداننا، أمرًا لم ندفع فاتورته.
ففي هذا السلوك الجمعي إثبات وخير برهان أن هذه الشعوب لا زالت حيّة، تستطيع التعبير عن رفضها لظواهر الاستعمار واستلاب قرارها وهويتها، وإن حاولت بعض الحكومات إجبارها على ذلك، وفي هذا القرار بالالتزام بقرار المقاطعة دعم للإنتاج الوطني وفيه أكثر ربحية وإستقرارا للإقتصاد الوطني والمستمر الوطني، وإنتاج منتجاتنا بهوية وطنية غير خاضعة لجدل حول نمط استهلاكي أو ثقافي يجعلنا أكثر غربة عن هويتنا وحقيقة من نكون!
المقاطعة ونافذة أمل لمستقبل مختلف:
يذهب البعض إلى الإشارة عند الحديث عن المقاطعة، إلى الاعتماد شبه الكلي في الأسواق على العلامات التجارية الغربية، وإنها مسألة غير سليمة كون هذه الحملات لن تنجح في مقاطعة كل العلامات الداعمة والمؤيدة لجرائم دولة الكيان، وهنا سأطرح أسألة مشروعة أدعو القارئ إلى التفكير قبل الإجابة عنها ولعلها تكون بداية لمستقبل مختلف:
التغييرات الكبيرة تبدأ بخطوات صغيرة، فلماذا لا تكون هذه مجرد بداية للأمر العظيم؟.
المقاطعة سلوك سلمي يقدم عليه من يرغب في دعم صمود إخوته، فهل نمنعهم من هذا السلوك؟..
أليست المقاطعة دليل على رغبة شعبية في إنجاز مشروع تحول ثقافي لهذا الشعب، فلماذا لا نبدأ بالتأسيس له؟...