لعل ما يحدث اليوم من أحداث مثيرة وحزينة في فلسطين عامة وغزة خاصة ،تستحضرني الذاكرة الى شخصية مثيرة لا زالت روحها تحوم وتعيش بيننا

وخاصة عندما يكون الحدث بتكرار الحديث عن هذه الشخصية التي بها ضحى من أجل البلاد والعباد ،حتى أنه تناسى نفسه وبيته، ووضع ابنائه معه بميزان التضحية (وهو الذي سلك سبيل القويم لاستقلال العرب – وترك في النفوس أثرٌ لا يمحى*)..

الكثير ممن كتبوا في مذكراتهم عن المغفور له الشريف الملك حسين بن علي رحمه الله ولكننا لا زلنا الى اليوم نكتب ونوثق عن هذه الشخصية السياسية التي لعبت دوراً مهماً للعرب وما زالت تذكر وان كان بعضها لم يوثق.

كتابة الذكريات ليست بسيطة كما يدعي البعض وخاصة اذا كانت بها لعبة الوصف سواء الانساني والاجتماعي او الشخصي وهذا ما زلنا الى اليوم نتفنن به ولو بالقليل ،فكيف ان كان كاتبنا شاعراً متمكناً وسياسياً ومجاهداً يدون مذكراته مع ملك عظيم ملك العرب المغفور له الشريف حسين بن علي رحمه الله.

بعد إنتهاء الحرب العالمية الاؤلى بانحدار المانيا وحليفتها تركيا وعقب احتلال العراق قام المحتلون بإنشاء حكومة قوامها فريق من ضباط الجيش ،ولم يحسب للشعب العراقي حساب في تأليف هذه الحكومة ،ومن ذلك التاريخ شرع العراقيين بمقاومة تلك السلطات وبدأوا يطالبون الانكليز بالجلاء والوفاء بعهودهم التي قطعوها للعرب بشأن حقهم في تقرير المصير .وهذه العهود عبارة عن مراسيم اصدرها الحلفاء في العراق واذاعوها مذيلة بتواقيع رؤوساء حكوماتهم بعد تقهر الاتراك في ميدان الحرب العراقية.والحديث يطول ومعروف لمن أهتموا بدراسة السياسة والتاريخ العربي وخاصة أيام الثورة العربية الكبرى قبلها وبعدها .وهنا نستوقف الحديث عن رحلة الشيخ محمد رضا الشبيبي وبرحلته الى البلاد العربية منتدباً عن العراقيين ليغادر لمقابلة الحكومتين العربيتين في مكة المكرمة ودمشق الشام انذاك .والتي قاسى بها الأمرين في هذه الرحلة الشاقة وصحب قافلة من البدو المسلحين واجتمع فور وصوله الى مكة بشريفها الحسين بن علي ملك العرب وانجاله علي وعبد الله وكان ثاني اجتماع بهم اما الاول كان في وادي فاطمة على قيد مرحلة من مكة في مخيم لهم هناك وكان الجميع بلباس الاحرام .واستقبله المغفور له الملك حسين بمكه وخلا به حيث قدم له له الوثائق واطلعه على حقيقة الاحوال في العراق وما يعاني منهم الضيم والارهاق تحت ادارة الاحتلال ويطالبون بشدة بالاستقلال والحرية وانهم مستعدين لحمل السلاح واعلان الثورة والتضحية بنفوسهم ونفائسهم وتكليف الرسل لمؤتمر الصلح في باريس الذي كان ملتئما هناك. وكان الملك فيصل الاول يمثل والده بالمؤتمر والذي طلب منه الشريف حسين بأن يدافع عن العراق في المؤتمر بناءً على الوثائق التي تسلمها من اللشبيبي بمكة المكرمة والتى وعد وعداً قاطعاً أن يدافع عن العراق وبعد40 يوماً غادر الشبيبي مكة المكرمة الى المدينة المنورة وبعدها الى حدود الشام والتي استغرقت 25يوم بسبب الثورة .وفي دمشق اجتمع بالملك فيصل بعد عودته من لندن وبقادة الحركة العربية من عراقيين وسوريين وفلسطينين وغيرهم ،وهكذا تأكد وصول الوثائق اليهم ،وبعدها مثل العراق في عدة جمعيات ومؤتمرات من اشهرها المؤتمر العراقي بدمشق عام 1920م ونادى باستقلال العراق وحكومة دستورية ،وهناك وثيقة موقعه بذلك ومن ضمنها توقيعه.

وشاهد التقسيم الذي حدث وكانت سوريا من نصيب فرنسا ،وبعدها وقعت معركة ميسلون وكان قلبه ينفطر الماً بعد استشهاد الاحرار العرب وشاهد دخول الجنرال غورو الى دمشق وخاصة بعد عبوره شوارع سوق الحميدية ومن ثم الى قبر صلاح الدين الايوبي وبعدها غادر الشبيبي دمشق ورجع الى وطنه .وبعدها دخل الملك فيصل العراق واستقبل بحفاة يعجز التعبير عنها باعتباره ثائراً عربياً وخطب خطبته البليغة ،وكان الشبيبي يجتمع به طول مدة اقامته هناك وبعد ان استلم الملك فيصل ملكاً على العراق وتسلم بعدها عدة مناصب مختلفة وكثيرة .ولكن ما أود قوله هنا بأن المغفور له الشريف حسين بن علي لم يغلق بابه بوجه أحد من العرب بل كان مثال التضحية هو وابناءه حيث كانت لديه القدرة للنظر من الداخل لمختلف الجوانب السياسية ولكنه كان يؤمن بالعهود والوعود وابرام المواثيق وهذا ما روته لنا المذكرات المختلفة التي ذُكر بها وبشهادتهم .وكان يسعى للحرية واستقلال العرب وأكدت جريدة القبلة من خلال نشر خطابات المغفور له الشريف حسين رحمه الله في هذا السياق مؤكدا أن القومية العربية تتماشى مع الاسلام ،وانه لم ينهض رغبة في الدنيا ولا من أجل الجاه مؤكدا لو اراد ذلك لحصل عليه ولكنه فضل احتمال العناء رغبة منه في الدفاع عن الكيان الاسلامي والعربي .هؤلاء هم الهاشميين الذين لم يغلقوا الى اليوم ابواب بيتهم بوجه أحد من العرب وكان الاردن اليوم مثال لفتح بيته الى كل العرب ومن سكنه .ولم يغلق الهاشمييون بيوتهم وابوابها حتى ونحن في صعاب الامور بل تقاسمنا الرغيف والماء ، ونحن لن نكون كشعب اردني الا كما عاهدنا الهاشميين على أن نكون كلمتهم التي توفى بالعهد والوعد وبيوتنا بيوت الاردنيين هي بيوت الهاشميين ،ليبقى وسيبقى وجه سيد البلاد وراعيه ابيضاً كقلبه ،قلب الأب الذي يحمي أسرته ،حمى الله جلالة الملك عبد الله بن الحسين وولي عهده المحبوب و بيتك بيت الاردنيين محروس بعين الله التي لا تنام.