نحو عالم مظلم برعاية أمريكية
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
09-11-2023 12:34 AM
ما زالت مستمرة؛ جريمة الإبادة للشعب الفلسطيني في غزة، وربما إبادته أيضا في غيرها مستقبلا، حيث يعتمد هذا على ما تراه وتريده أمريكا، وحاشيتها، والمنفذ المختص ماض في تنفيذها، وتشير الدلائل الكثيرة، بأن المهمة يجري تنفيذها بالشراكة ميدانيا، بين عدة جيوش، بالمقاتلين والسلاح والتوجيه، والدم الفلسطيني مستمر بالتدفق في أرض فلسطين حتى ترتوي..
ما الذي تراه وتريده أمريكا، ومن أي الجهات تطلبه؟ .. سؤال مهم، وإجابته بل إجاباته كثيرة، نلمسها بكل جوارحنا بسبب ما تقوم به الديبلوماسية الأمريكية في المنطقة، لا سيما سلوكها منذ انطلاق طوفان الدم والنار، حيث نشطت الديبلوماسية منذ الساعات الأولى بانتهاز الفرصة بشكل مثالي، لتقديم حلول على مقاس مصالحها وصراعاتها في المنطقة، حيث تابعنا التوجيهات الأمريكية لجيش الاحتلال العنصري، ومطالبته بتحقيق أهداف المهمة هذه المرة، وعلى رأسها تصفية المقاومة الفلسطينية في غزة، كأولوية، لن تنتهي بالطبع في حدود غزة، بل ستحدد نتائجها مراحل وفصول جديدة منها، لذلك استعدت أمريكا وعلى الملأ بأن تقدم كل أشكال الدعم للجيش العنصري ولشعبه «اللمم»، داخل وخارج فلسطين المحتلة، وقامت بالفعل بتحريك أساطيلها البحرية وفرقها المختصة في ملاحقة وإبادة البشر والحجر..
بموازاة هذه التصريحات نشطت الديبلوماسية الأمريكية لبناء تحالف معلن، وتوريط جهات كثيرة لدعم حرب الإبادة، واستخدمت وزارة الخارجية الأمريكية كل الأوراق المتاحة، لحشد مزيد من الدول المؤيدة من أوروبا وغيرها، وباشرت الخارجية الأمريكية عن طريق طواقمها في سفاراتها في البلدان العربية، بنشر التحذيرات التي بلغت حد تهديد وابتزاز بعض الدول العربية، لتحييدها عن الاصطفاف بجانب الشعب الفلسطيني، وكبح أية محاولة لإيقاف الإبادة، وخنق المذبوحين في غزة، أمواتهم وأحياءهم، ومحاولة تهيئة ظروف دولية مثالية للاستمرار في الإبادة، والحرص على تقييم مجريات العملية بشكل مستمر، ومساعدة الجيش العنصري بتوفير كل الوقت له، للاستمرار في الجريمة لبلوغ الهدف المعلن، وهو تصفية بل قتل حماس، عن بكرة أبيها، وكأن حماس جيش نظامي محترف، يملك معسكرات ومؤسسات وجنودا معزولين في معسكرات أو مؤسسات وثكنات، متجاوزة عن حقيقة انغماس حماس «الفكرة والمقاومة» في نسيج شعبي كبير في غزة وحول العالم، وهدف معلن مثل تصفيتها، لا يمكن تحقيقه لأنه يعني إبادة كل الشعب الفلسطيني تماما، حتى لا يبقى فلسطيني واحد يرفع علم فلسطين، ويطالب بحقه في وطنه، وحقه في الحياة كسائر البشر.
استجابة بعض الجهات للمطالب أو الإملاءات الأمريكية، لا تعني بأي حال موافقة تلك الدول على ما يجري، ضد فلسطين وشعبها، فالدول في الحقيقة هي الشعوب، وليست الحكومات التي تحكمها، خصوصا إذا حادت هذه الحكومات بعيدا عن مصالح الشعوب، وهذا يعني أن الهدف لن يتحقق، مهما ولغت آلة القتل في دماء الفلسطينيين، بل إن المنطق يقول بأن هذا سيجلب المزيد من التعاطف والدعم للفلسطينيين، وقضيتهم العادلة، وهذا ما يجري بالفعل، ليس في المنطقة العربية وحسب، بل في العالم كله، حتى في أمريكا وفي الدول المشاركة والداعمة، ويزيد عن هذا الموقف، الموقف الفعلي للشعوب العربية والإسلامية، فهي تزداد توقدا بالغضب والكراهية لأمريكا، ولحلفائها، ويستجلب هذا الغضب وبشكل طبيعي معروف، غضب الشعوب على حكوماتها، وفقدان ما تبقى من ثقة بين هذه الحكومات وشعوبها.
علاوة على المواقف الشعبية حول العالم، هناك مواقف لحكومات ودول عربية، أصبحت مقتنعة بأنها باتت في خطر، وأن العقلية الاستعمارية التوسعية، والعنصرية، التي تصف الكيان المجرم، لن تتوقف فقط عند حدود التطرف ضد الفلسطينيين وحقوقهم، بل أصبح احتمال أن تقوم اسرائيل بالعملية نفسها في الضفة الغربية ومناطق ال 48، وتبدأ بتصفية الفلسطينيين من هذه المناطق، بإبادتهم تحت ذريعة «الموت لحماس»، واستخدام الشعار نفسه لضرب وقتل وتدمير كل كيان يضم أحرارا يناهضون الاحتلال والاستفراد الأمريكي والأوروبي في المنطقة العربية..
السؤال المطروح اردنيا وعربيا واسلاميا وعالميا: هل حقا نريد عالما بلا قانون ولا شرعية دولية، إلا وفق قانون وشريعة الغاب؟ أين مكان الحق والعدالة والإنسانية في عالم هذا شكله وقانونه، التي يرسمها الأمريكي والأوروبي الأبيض بنظرته العنصرية للآخرين؟
الدستور