عالمٌ أعمى وأَكْمَه، ضَرِيرٌ وطَلِيس!
د. نضال القطامين
08-11-2023 01:02 PM
ثلاثون يوما ويزيد، وآلات الموت تختبر صبر العالم وتمتحن شرف الدول وديمقراطيتها، ثلاثون ليلة من الدماء والسحق، سقط فيها ما ينوف على عشرة آلاف شهيد والاف الجرحى، ثلثيهم من الأطفال والنساء، ثلاثون ليلة وجثث الأطفال الممزقة التي تنوء بها المدافن تلعن صمتنا، ثلاثون ليلة ولم يرتوِ فيها بعد، أحفاد ليليث، وهم يواتروا الفتك والإبادة ساعة بعد ساعة وصاروخا إثر قنبلة.
في كل هذا الموت، في كل هذه الإبادة، يمضي مخطط الصهاينة في دولتهم التي ستلتهم بلاد العرب، وتلتهم اقتصادهم، ويستمر، مخططٌ مغلّف بعناية كاملة من دول الغرب المتباكين على حقوق الإنسان، أولئك الذين لم تسعفهم كل كلمات الكذب والتهليس عن حقوق الإنسان سوى بوصايا خجولة لقادة الإجرام وقتلة الأطفال بأن يحرصوا وهم يمارسوا القتل ويمتهنوا الإبادة، على تطبيق القانون الدولي الإنساني، حريصين على أن تُسلّم جثث الأطفال خالية من البتر والكسر، وعلى استخدام ضيّق ومحدود للفسفور الأبيض، ويذكّروا القتلة بأن يكون الرصاص الموجه لرؤوس الأطفال والنساء، رصاصاً رحيماً يكتفي بالموت فقط دون التمثيل بالأجساد.
بصمت وبإطراق وسكوت ووجوم مريب من العرب ومن المسلمين، صمتٍ مغلفٍ بالإرتياب، يمضي المخطط المجرم، ولكأنه من المسلمّات، وبعد أن كانت القضية الفلسطينية حاضرة في عقول ونفوس النشء والشباب منذ النكبة، تستحيل اليوم أرقاماً في الأخبار وبعد الصوت العالي في تطبيق قرارات مجلس الامن، تغدو أكبر مطالبنا إدخال الوقود ليستمر عمل المستشفيات.
أي حيف وضيم وقهر في هذا الذي يجري، وما عساها ان تكون مبررات الصمت العالمي والعربي والإنساني وكل المنظمات والهيئات التي كانت تملأ الدنيا صراخاً على طفل في البوسنة وفي كييف، عن أطفال ترفع أشلاؤهم من الردم، وآلافٍ آخرين لم يجد المنقذون لأجسادهم طريقا؟!..
هل كانت أجساد الساسة بحاجة لكل هذه الدماء كي تسقط عنها ورقة التوت التي تكشف الزيف والطغيان، هل كنّا بحاجة لكل هذا القتل والقصف، على المدارس والمشافي وسيارات الإسعاف، لنرى العالم كلّه، مجلس أمنه وديمقراطياته الزائفة؛ أعمى وأَكْمَه، ضَرِير وطَلِيس، لا يرى في أشلاء الأطفال وأجساد الموتى سوى ما اوحت لهم به آلات الإعلام الصهيونية، تلك التي تمسك برأس الأخبار وتجرها كيفما شاءت، وتعيد إنتاجها كيفما أرادت، وقد أعدت لها وعاءً من الإختلاق والإفتئات والإفتراء، حيث يتبنى العالم المتحضر روايتها المزعومة وينافح عنها كما لو كانت حقائق ثابتة.
اليوم، على العالم، العرب والمسلمين، كل الذين قالوا كلمة عن الرحمات، عليهم أن يقدموا تحية مغلفة بمبادىء القومية، ومسنودة بالإرث الشرعي لجلالة الملك وهو يقف في منتصف خطوط الموت ويشرع بالمنافحة عن القضية الفلسطينية، ويذكر الدنيا كلها بقيم العدالة والرحمة وحق الناس في العيش..
أيّاما طويلة وليالي معبأة بالقهر والدم والفاجعة، بالفتك والعويل، لم ترف فيها للدنيا عين ولا اهتز جفن، والعرب الغارقون حد الثمالة في الإدانات التي لا يحفل بها أحد، مرعوبون بلا سبب، ومذعورون بالفطرة، استكانوا للخنوع تحت ضربات المساعدات وفي ظلال عدم الإنحياز، حيث يمضي قرار الصهاينة كحد السيف، وحيث تفرض سطوتهم ويفرض جبروتهم، ما على قادتهم أن يقولوا، لكنهم ديمقراطيون جداً إذ يتركوا لهم مساحة لشجب وميدانا للإدانة.
خمسة وسبعون عاما، ونفط العرب يضخ الدماء في مصانع القنابل والطائرات، دون أن يدرك أحد مآلات الإنكسار والذل والخنوع، دون أن يكون لهذه الخيرات الضائعة مقعد صدق ومقعد لياقة، يسمع العالم فيه بعضا من غضب الشعوب وبعضا من صراخ اليتامى، خمسة وسبعون عاما دون وشم دولة قوية يحسب القتلة حسابها قبل أن يوغلوا في دماء الشهداء.
يا شهداء الصمت والخيبة والمؤامرات، لا يصل القنوط إلى قلوبكم، النصر آت، بثياب الغضب وسترات الصبر، يمكن أن يتحقق الآن وربما يتأخر، لكننا ندعوكم ألّا تركنوا في هذه الأثناء، سوى لسواعد الفتية الذي يرسموا في صفحات الدنيا، صحوات الفينيق من الرماد.