لم يكتفِ جلالة الملك باختراق الحصار المفروض على غزة بعملية جوية استهدفت إيصال المساعدات الانسانية للاهل هناك عبر عملية انزال جوي قام بها نشامى الجيش العربي وتم عبرها إسقاط مظلي لهذة المساعدات بطريقة فاقت التوقعات عندما تم استثمار الجوانب الذاتية والموضوعية لإيصال وجبة المساعدات، ولم يمضِ وقت حتى دخل جلالة الملك في عملية اشتباك سياسي ببروكسل حيث بيت القرار للناتو ويقوم بقلب الطاولة على الرواية الاسرائيلية التي كانت كسبت تأييدا واسعا برواية زائفة ويدخل الجميع بمغبة كيفية الخروج من هذة الازمة السياسية والانسانية .

وهي الازمة التي يقف عليها الجميع بمسرح الاشتباك بغزة والتي تنذر عواقبها بحرب اقليمية مازال يقف ميزانها عند محددات شرعنة المفاعل النووي الاسرائيلي الذي انكشف علانية والمفاعل الايراني وبالتالي السعودي بذات الاتجاه، وهي المعادلة التي تجيب على الكثير من مواقف هذه الدول من مسرح الاشتباك في الحرب على غزة وتؤكد على دخول هذه القوى الجيوسياسية بالمنطقة بنظرية الاحتواء الاقليمي التي تحولت الى مشروع يجري ترسيم مناطق نفوذة في المشرق العربي كما في الخليج العربي ومناطق النفوذ الايراني .

وعلى الرغم من ذلك فلقد بين جلالة الملك أهمية إبقاء الجغرافيا الفلسطينية موحدة لتشمل غزة والقدس والضفة لتكون منسجمة مع قرارات الشرعية الدولية وهو ما بدا يتفهمة الاتحاد الاوروبي عندما اخذت دوائر صنع القرار فية تستجيب لوقف اطلاق النار ويتغير مع ذلك موقفة الرامي لتشكيل هيئة دولية لإدارة قطاع غزة ليتم ووضع ذلك بالمحصلة عبر الااطار الناظم للدولة الفلسطينية، الامر الذي جعل من نتنياهو يكشف عن مخططاته الرامية لإعادة إحتلال قطاع غزة عبر مشروع السيطرة الأمنية مبررا ذلك بمسوغات دفاعية رفضها الرأي العام كما بدأت ترفضها معظم الحكومات الاوروبية وهي النتيجة التي جعلت من قيادات حلف الناتو تتراجع عن الدعم اللامحدود لنتنياهو في عدوانه الظالم على غزة عندما كشف عن نواياه بإحتلال قطاع غزة الامر الذي أعاد خلط الاوراق من جديد وقلب الطاولة على النفوذ الاسرائيلي الذي كان يتمتع بة منذ اندلاع حرب غزة .

وذلك بعدما تبين للادارة الامريكية نوايا نتنياهو الكامنة ليعلن البنتاغون بصورة متصلة نيته إنشاء قاعدة عسكرية دائمة للقيادة المركزية الوسطى "سنتكوم" كما أورته بعض التقارير الامر الذي يجعل من قطاع غزة منطقة أمنية تدار من قبل الاجهزة الامنية فى اطار القيادة المركزية الوسطى بحيث تكون بذلك قد عملت على حماية الشعب الفلسطيني في غزة وحماية الامن الاسرائيلي لتشكل غزة من ذلك من نموذج للامن الدولي بحلة أمريكية وهو المشروع الذي يتعارض مع برنامج نتنياهو في الحل ...

ومع ان الحديث عن ماهية المشهد بعد الحرب من المفترض ان تأتي بعد نهايته وليس اثناءه الا ان بيان ملامحه قد يسهم الى حد كبير في الحد من حالة الغلو لاسيما وأن عناوين توسيع مظلة الحرب ما زالت مفتوحة على مصراعيها وان تحقيق اهداف نتنياهو في المعركة ما زالت مبهمة وأخذ يختزلها بإغتيال يحيى السنوار او صالح العاروري حسب نصائح "الشين بيت" لبلوغ انجاز يسمح له باعلان انصار بهذه المعركة وهو الاستهداف الذي مازال ايضا صعب المنال .

وبصورة متصلة يدخل الكثير من المحللين والمتابعين على حد سواء في غرفة معتمة حول مآلات المشهد بالضفة لاسيما بعدما بدأ الحديث في الاوساط الامنية الاسرائيلية عن عملية امنية اخرى تطال (يهودا والسامرا) على حد تعبيرهم وهي العملية التي يتم التحضير لها بواسطة المستوطنين الذين اخذوا بالتسلح والتسليح بطريقة لافتة والقيام بالتصعيد الممنهج بالاشتباك، وذلك وفق نماذج الاغتيالات والاعتقالات مع الشباب الفلسطيني في جنين ونابلس وطولكرم والقدس وكامل مدن الضفة والتعاطي مع الاهل بالضفة بطرق إستفزازية تهدف للتصعيد الميداني وتمهد لخلط الاوراق من جديد عن طريق إشاعة الفوضى بإختلاق إشاعات هدامة بدأت باستهداف حياة الرئيس الفلسطيني وبث حالة صدام بين الفصائل الفلسطينية لإشعال الفتنة في الأوساط الشعبية بهدف التمكين وتكوين إدارات مدنية وانهاء دور السلطة .

وهو المشهد الذي يأتي ترسيمة على الرغم من رسائل الطمأنة التي ساقتها القيادات الاوروبية والامريكية للادارة الفلسطينية، لكن الحكومة الاسرائيلية تؤكد بافعالها انها ذاهبة بسياسية الغلو والتصعيد الممنهج وذلك للهروب من المحاكمات التي تلاحق نتنياهو وحكومته داخليا وخارجيا وهو ما يجعلها لا تكتفي بإحتلال غزة بل تقوم بإحتلال ما تبقى من القدس والضفة وهي تسعى لإحتلال جغرافية الارض وتهجير ديموغرافية الجزء الاكبر من الشعب وتقوم بتصفية القضية الفلسطينية بآلة الحرب العسكرية بدعوى الحفاظ على أمن اسرائيل .

مع ان هذا الكيان مازالت جغرافيته غير معروفة قانونيا لاسيما وان اسرائيل مازالت تقاد ب "الكهن السياسي" ونهجهها يقوم على الاعراف الضمنية بسبب عدم وجود دستور لهذا الكيان التوسعي يبين للجميع ماهية الجغرافيا التي يقف عليها في قوام الدولة وهو الكيان التوسعي الذي لا يعترف بقوة القانون بقدر ما يستقوى بقانون القوة .

والاردن الذي استثمر مكانته الدولية لإيصال المساعدات وقام باستثمار مصداقيته الاممية بقلب الطاولة السياسية على الرواية الاسرائيلية، هو الاردن الذي اخذ يشارك برسم نظام للضوابط والموازين للنشهد العام عندما بدأ بتحديد الخطوط الحمراء ببيان خط التهجير واعتبره بمثابة "اعلان حرب" كما راح يؤكد ضمن جملة المحتوى على ضرورة "وقف اطلاق النار" حتى تنهي المعاناة الانسانية للجميع ويتم تبادل الأسرى والمعتقلين وإفساح المجال لصوت العقل والحكمة في بناء جملة مفيدة بالحاضنة السياسية السلمية .

وقد وصلت المعارك الميدانية الى درجة الإلتحام الصفرية بخسارة بلغت الى 1/3 مخزون الدبابات خلال سبعة ايام فقط من عمر الاشتباكات البرية، هذا اضافة الى مئات القتلى والجرحى بصفوف القوات الاسرائيلية بينما مازالت قوات المقاومة تقوم بإطلاق خمسين صاروخ بالمعدل في ساعة ولم تدخل بعد بكل ثقلها بهذه المعركة بانتظار دخول أغلبية القوات الاسرائيلية في ساحة غزة وهي ساحة الاشتباك التي ينتظر ان تحمل الكثير من المفاجئات الميدانية بما في ذلك منظومة أسلحة إلكترونية .

لكن ذلك يبقى برسم استجابة الرئيس جو بايدن بإعلان وقف النار لدواعٍ انسانية ويستجيب لرسالة الملك عبدالله الثاني بهذا الصدد سيما والرئيس الامريكي يؤمن بحل الدولتين كما انه يرفض الحلول العسكرية ولا يريد ايضا توسيع دائرة العنف بالمنطقة فإن استجابته ستكون محط تقدير كونها ستعمل على وقف شلال الدم بأوساط المدنيين وتقوم على تغيير المناخ المشحون وترسيم مشهد آخر مقبول. .

بعدما قام الملك عبدالله الثاني بهذا الاختراق السياسي الذي نجح عبره على تجسير الهوة بين الطرحين العربي والاوروبي وقام بقلب الطاولة على رواية الغلو الاسرائيلية والتطرف التي ساقتها تل ابيب وبين مخاطرة الوقوف مع آلة الحرب بفرض الحلول بالقوة الجبرية لاسيما وان المنطقة على اعتاب قمة عربية اسلامية تنعقد بمشاركة دولية يوم السبت القادم والتي يتوقع قبل إنعقادها إعلان وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية..