ما تفعله إسرائيل في غزة من قتل، وخنق، وتجويع، محاولة لتركيع الفلسطيني، وتهجيره، وتدجينه، وتفتيت عضده، وعزمه، ومن ناحية ثانية، استعراض قوتها، وجبروتها، وقدرتها العسكرية، وستر عورتها، دون اكتراث لعدد ونوع وجنس قتلاها من الفلسطينيين، ورغم كل الدمار، والتجبر، والقصف بكل أنواع القنابل والصواريخ، إلا أنها لم تستطع، ولن تستطيع أن تركّع شعباً كشعب غزة، والعكس رغم شح المياه والغذاء صحيح.
لا خبز في غزة، توقفت المخابز عن العمل، قًصِفَت أو حُرِمَت من الوقود، لا طحين، ولا ماء لعجن الطحين، قُصِف رغيف الخبز، استُهدِفت محطات تحلية المياه. إسرائيل حاصرت غزة 16 عاماً، وتريد أن تعاقب كل أهلها على رفضهم الحصار، عليك أن تُحاصَر، وأن تقبل الحصار، أن تتعايش معه، أن ترضخ لإرادة المحتل، أن تموت بصمت، وإلا فإن هذا هو الثمن، أن تموت جوعاً، وعطشاً، وقتلاً بالقصف، وأن تموت أنت، وزوجتك، وأولادك، وأمك، وأبيك، وأن تفقد بيتك، وكل من تحب.
كل ما تفعله الوحوش، فعلته إسرائيل، كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية، ارتكبها هذا الجيش "الخلوق". تلك "عربدة" غير مسبوقة على مسامع البشر، وتحت أنظارهم، وذلك هو الإرهاب الحقيقي، والقصف لا يتوقف، تسقط السقوف، يتصاعد غبار الركام، يخرج الفلسطيني إن خرج سالماً، يحمد الله، ويترحم على موتاه، ولا يغادر، ولا يهاجر، يقصف المنزل، فيهرع الشباب بالمئات لانتشال الشهداء والجرحى بأيديهم.
لم يرضخ الغزي للآلة العسكرية الحمقاء، وأوقعت المقاومة، وتوقع كل يوم، خسائر في صفوف الغزاة المحتلين، في الآليات والمعدات والأرواح، يفقد الإسرائيلي صوابه أكثر وأكثر، ويصب جام غضبه على المدني، لأنه يذل عسكرياً كل صباح، وكل مساء، والإنجاز الكبير من "الذخيرة" التي ستتركها إسرائيل بعد انتهاء الحرب، جيل من الراغبين في الانتقام، والاستشهاد، ومن الحاقدين على كل ما هو إسرائيلي، جيل أكثر عنفاً من جيل اليوم المقاوم، جيل فقد كل أسرته، ولم يبق لديه ما يخسره على الإطلاق.
وفي نهاية المعركة، النتيجة واضحة: جيش إسرائيل لم يتأسس للدفاع، كما الحرب التي ليست أبداً للدفاع عن النفس، جيش للإبادة والتهجير والقتل، وما فعلته إسرائيل، يزيد الحاجة إلى تواتر النضال، ويبرر رد الفعل، وبين الفعل ورد الفعل، سيخسر المحتل، سيخسر في المستقبل أضعاف ما خسر، ولن يمتلك حكام الكيان المحتل القدرة على حماية الإسرائيليين، ولن يكفلوا لهم الأمن، ولن يستقر حال، ومهما حصل، ومهما كانت النتيجة، ومهما تصاعد عدد الشهداء والجرحى، فإن جيش إسرائيل فاقد للشرف والمشروعية على أرض فلسطين، وحكام الكيان وحوش بشرية، تلطخت أياديهم بدماء آلاف الأطفال والنساء والمسنين الأبرياء، ولن يرحم التاريخ كل من وقف يشاهد المجازر، ولم يتخذ موقفاً إنسانياً على الأقل، للحفاظ على إنسانيته، وسيستمر الصراع، ومعادلته واضحة أيضاً: لا أمن للفلسطيني، ولا أمن للإسرائيلي.