ثلاثون يوماً وليلة مضت على العدوان الإسرائيلي غير المسبوق في جنونه وجرائمه على قطاع غزة، استخدم فيها المحتل ما يزيد على 25 ألف طن من المتفجرات، وقتل ما يزيد على عشرة آلاف منهم أربعة آلاف طفل، وحاصرت إسرائيل القطاع، وخنقته، ومنعت عنه المياه، والكهرباء، والوقود، والغذاء، والدواء، والهواء، وهدمت عشرات آلاف البيوت على رؤوس ساكنيها، ولم تحقق سوى كراهية المجتمعات الحرة لها في جميع أنحاء العالم.
لم تستطع إسرائيل وقف صواريخ المقاومة التي لم تتوقف حتى تحت أقصى درجات القصف بالمدافع، والطائرات، والقنابل الفسفورية الحارقة، ولا القضاء على حماس وقياداتها وقدراتها العسكرية، فالجنود يموتون عند فجر كل صباح، وتدمر آلياتهم، ولم تستطع تحرير الأسرى، ولا تهجير أهل غزة الذين فضل الكثير منهم الموت في بيوتهم.
لم تستطع إسرائيل هز إيمان يعمر قلوب أهل غزة بفكرة الشهادة، والصمود، والتصدي، والتمسك بالأرض، وباختصار فقد أذل جيش إسرائيل عندما هوجم في السابع من أكتوبر الماضي، وأذل عندما هاجم غزة في الحرب البرية، وانقلب العالم على إسرائيل، كذّب سرديتها، ورفع علم فلسطين، وطالب بفلسطين حرة. احتلال بغيض وقع فريسة حقده، وجنونه، وغطرسته، وفائض قوته، ودعم واشنطن الأعمى، ومعها بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وغيرها من دول شاركت واشنطن الحماقة والنفاق.
وضرب أهل غزة أعظم الأمثلة في النضال ضد الوحشية، وصراعهم من أجل البقاء أمام آلة عسكرية عنصرية مقيتة. إسرائيل في قفص الاتهام بشن حرب إبادة جماعية، وقتل أربعة آلاف طفل. العالم الحر والشعوب الحرة، وقفت إلى جانب فلسطين، ثلاثون ألفاً في واشنطن، وربع مليون في لندن، ومثله في فرنسا، وبقية دول أوروبا، وماليزيا، والعراق، ودول أميركا الجنوبية، وغيرها كثير.
ما بعد غزة لا يشبه ما قبل غزة، لا في غزة، ولا في الضفة الغربية، ولا في العالم، وأما الأردن فهو الحامي والحاضن والثابت، والمرابط الداعم والصابر والمناضل، وأما إسرائيل فستزداد انفصاماً وخصاماً، وسيزداد شعبها تعصباً وعنصرية وحقداً، وما لفت نظري في ردود الفعل الإسرائيلية على تصريح ذلك المخبول الذي دعا إلى قذف قنبلة نووية على غزة، أنهم جميعهم تحدثوا عن تأثير هذه القنبلة لو قذفت، على المجتمع الإسرائيلي، فمن اتهم وزير التراث الإسرائيلي بالجنون، لم يقصد أن فكرة ضرب شعب غزة بالنووي، فكرة مجنونة بحد ذاتها، وإنما لتأثيرها السلبي على الإنسان الإسرائيلي وسلامته في حال ألقيت على غزة. لعنة إسرائيل ليست في العقد الثامن، وإنما هي مغروسة في قلوب هؤلاء الذين لا يعرفون إلا الكراهية.
الطريق إلى السلام صعب، وشائك، وشبه مستحيل مع عقليات عفنة، وقلوب سوداء، مليئة بالكراهية، والعنصرية، و"البلطجة" كعقلية نتنياهو وجماعته من أشرار أغبياء لا يعملون حتى لصالح دولة إسرائيل وأمن الشعب اليهودي، وسيشهد عليه التاريخ أنهم كانوا مجرد قتلة مجرمين. إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، وهي مصرة على مزيد من الفشل والخيبة، بازدياد توحشها وجرائمها.