قتل المحارب لا يقتل القضية
فيصل تايه
06-11-2023 11:34 AM
اصداء اللقاء الصحافي الذي اجرته جلالة الملكة رانيا العبدالله على شبكة "CNN" يوم امس أخذ ابعادا كبيرة ، اذ وجهت جلالتها رسالة عقلانية للعالم ، في ظل اعلام عربي تقليدي مضطجع ومتردد ومخيب للآمال ، ليأتي حديث جلالتها تبيان للحقيقة المخفية التي اراد العدو طمسها بفعل قوة خطابه الإعلامي الموجه ، واستحواذه على العديد من القنوات العالمية الموجهه ، فنحن الان وفي ظل الظروف الدولية متعطشين الى مثل هذه اللقاءات الموجهه ، والى ما تضمنته من افكار وطروحات منطقية جاءت على لسان جلالة الملكة في وقتها ، خاصة ما نقلته جلالتها للعالم من وقائع بصورتها الحقيقية ، باعتبار جلالتها لها حضورها القوي المسموع المستمد من حضور جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في الساحة الدولية ، وهو ما تكرسه وترسخه في لقاءاتها .
لقد شكل اللقاء خطوة فارقة في تبيان المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، وما يعانيه المدنيون والأطفال والنساء اليوم في غزة، ومناطق الضفة الغربية التي باتت معزولة تماماً عن غزة ، فقد اوضحت جلالتها للمجتمعات الغربية حقيقة القضية الفلسطينية وعدالتها ، وتناولت بطروحات ذكية ما يجري من ظلم وتنكيل بالفلسطينيين الذين يعيشون اليوم كما كانوا سابقاً حلم الدولة ، ويدفعون ثمن هذا الحلم بدمائهم ودماء أطفالهم من دون أن تكترث لهم السياسات الغربية ، في حين حثت الملكة المجتمع الدولي على دعوة جماعية لوقف إطلاق النار في غزة ، ولفتت انظار المجتمع الدولي للوضع الإنساني الكارثي في القطاع .
لقد بينت جلالة الملكة للراي العام العالمي ومن خلال طرحها وضمن اجابتها على التساؤلات ووفق رؤيتها المقنغة أن حجة البعض وادعاءاته بأن وقف إطلاق النار سيساعد حركة حماس ، ما هو الا مزيد من دعم وتبرير موت الآلاف من المدنيين، وهو أمر مستهجن من الناحية الأخلاقية وغير عقلاني، ويدل على قصر نظر ، فالصراع الحاصل صراع وجودي بالعودة الى جذورته ، وان السبب الأساسي لهذا الصراع هو الاحتلال غير المشروع، ووجود انتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان ، وإنشاء مستوطنات غير قانونية، وتجاهل لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ، لذلك فمن المهم اولاً التأكيد على أهمية معالجة هذه الأسباب الجوهرية ، وفي عبارة تحمل معان منطقية كبيرة اطلقتها جلالتها : "يمكنك قتل المحارب، لكن لا يمكنك قتل القضية".
لقد استطاعت جلالة الملكة ومن خلال هذا اللقاء الى تفنيد الادعاءات الاسرائيلية المضللة خاصة فيما يتعلق بالتبريرات لحماية المدنيين ، ورأت أن تخيير الإسرائيليين لـ ١،١ مليون شخص في شمال قطاع غزة بين مغادرة منازلهم أو المخاطرة بحياتهم، ليست حماية للمدنيين، بل "تهجير قسري ، ولفتت إلى تصريحات وكالات الأمم المتحدة والمنظمات العالمية حول عدم "وجود مكان آمن في غزة" ولفتت الى ان المناطق التي طلب (الإسرائيليون) من الناس اللجوء إليها وسموها بـ "المناطق الآمنة" تعرضت للقصف أيضًا ، ورأت أن أوامر الإخلاء التي يرسلها الإسرائيليون للفلسطينيين عبر الإنترنت والتلفزيون عبارة عن "مسعى إسرائيلي لمحاولة إضفاء الشرعية على أفعالهم".
أن تقليل المسؤولين الإسرائيليين من شأن الضحايا الفلسطينيين بذريعة أنهم دروع بشرية أمر مثير للغضب ، حين قالت "في مكان مثل جباليا، التي هي من المناطق الأعلى كثافة سكانية في غزة، وغزة نفسها واحدة من أكثر بقاع الأرض اكتظاظًا بالسكان، موت المدنيين ليس غير مقصود أو عرضي، بل هو أمر محتوم" ، وبذلك فإن المسؤولية تقع على عاتق الدول لتقييم المخاطر على حياة المدنيين قبل إطلاق أي رصاصة، وقبل إسقاط أي قنبلة، وإذا كان هذا الخطر غير متناسب مع الهدف العسكري فإنه يعد غير قانوني.
لقد كان لاجابة جلالتها على سؤال حول تزايد التعصب في الولايات المتحدة ضد اليهود والمسلمين، تأكيد على أدانتها بشكل قاطع معاداة السامية والإسلاموفوبيا، مشيرة إلى "أننا نحن المسلمين علينا أن نكون أول من يدين معاداة السامية لأن الإسلاموفوبيا هي الوجه الآخر لنفس المرض" ، فنحن لدينا تاريخ طويل من التعايش السلمي ، الأمر لا يتعلق بالدين بل بالسياسة ، مشيرة إلى أن "ما رأيناه في السنوات الأخيرة هو استخدام تهمة معاداة السامية كسلاح لإسكات أي انتقاد لإسرائيل.
وأخيراً ، فإن المدافعين أو المؤيدين لإسرائيل الذين لا يستطيعون الدفاع عن تصرفات إسرائيل أو سلوكها، يلجؤون إلى إنهاء الحوار عبر المساواة بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية، دعوني أكون واضحة تمامًا، أن تكون مؤيدًا للفلسطينيين لا يعني معاداة السامية.