لِمَ لا ؟!
لاحظ في أيّ مكان كيف تفرض بوادر التغيير أجواء نفسية متباينة ، فهي كما تبث التفاؤل في نفوس البعض، فإن ذات البوادر تشكل قلقاً وتهديدا على الذين يرون أن التغيير يسحب من تحتهم بساط التسلط ويزيد مواقفهم تأزما ً.
الرافضون للتغيير، خاصة إن كان ايجابيا، هم المستفيدون الحصريون من الحاضر البليد، يرفضون تعديل الواقع بما يضمن لهم البقاء أوصياء على الغير دون أيّ استحقاق.
إرادة التغيير يفجرها التراكم وليست وليدة صدفة أو مفاجأة ، لكن المستفيدين من الحال البائس للغير يفزعون من إلقاء الرفض على جدار جمودهم، لأن هذا الرفض هو الجمرة الأولى التي ستشعل باقي الجمرات وشرارة الثورات القوية التي تقصّر المسافات.
من حق الشعوب والأفراد أن يحلموا بالكرامة والحرية والأمل ، وهناك مقولة جميلة لأرشميدس أن بعض الناس يرون الاشياء كما هي عليه في الواقع ويقولون لماذا؟ اما انا فاحلم باشياء لم تحدث قط واقول لم لا.
لم لا ؟؟ كل شيء ممكن انجازه مادام الدافع هو استعادة حياة مليئة بمظاهر الحياة ..فلم تبق الدنيا بسيطة ولا الناس ساذجون يقادون كالخراف.. ولم يعد اصحاب الحقوق يرضون بالفتات وبواقي المآدب.
انتُقد أحد المفكرين لكتاباته التي بدت بعيدة المنال ووصف أنه ينفخ في قربة مخرومة لكنه أجاب واثقا ً: أنا أكتب لقارئ لم يولد بعد. انها ارادة التغيير التي تتناقلها الأجيال حتى يتحقق الاصلاح وتبلى الثياب التنكرية إلى خرق.
تتعرف المجتمعات على مدى فرادتها فقط حين تكسر قيد الرهاب من التجديد، وليس سرا أن طريق التغيير ليس معبّدا ً، لكن ما قد ينتج من صعوبات يمكن تخطيه بالإرادة، فكل ما سيحصل بعد ذلك يبقى أفضل من بلاء الركود والتقهقر الذي يستولي على العقل والبدن وينخر المجتمعات بالسوس والفساد. وإذ يذكر التاريخ الصيني القديم فترة رهاب الابداع والتخلف التي قتلت روح التطور والازدهار بالخنوع المفروض، فقد كانت فترة مظلمة امتدت لمئات السنين حين صدر مرسوم إمبراطوري ينص على انه لا يجوز لأي متأدب ان يطرق، بصورة شفهية أو خطية، أي موضوع لم يعينه له أستاذه، فليس يحق لكائن من كان ان يتخطى ميراث معلمه.ولك أن تتخيل حال الأمة حين يكون العقل في إجازة.
تتسابق الأمم للتفلسف بمقولات معلّبة لكنها تتراخى لتنفيذها، ذلك لفوبيا وراثية تملّكتها عبر التاريخ، وهكذا يبدو التمايز بين المجتمعات قائما ً على القدرة في المزاوجة بين القول والفعل، مع وجود الاستعداد النفسي والعملي الموازي للطموحات.
لا تندلع ثورات الشعوب من الفراغ، ولا يمكن الإنزواء في مسارات مغلقة إلى الأبد، فلا بد من الخروج من العتمة مهما بدا ذلك صعبا ً. فلتحيا إرادة الشعوب.
(الرأي)