ما بعد الحرب: من ينتصر سياسياً؟
حسين الرواشدة
05-11-2023 12:23 AM
من تحت دخان حرب الإبادة على غزة، تتسلل أطراف عديدة لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية ؛ هذا التسلل يأخذ مسارين متوازيين، أحدهما سياسي، والآخر إنساني، ويمتد جغرافيا ليشمل بعض الدول المرشحة لتمرير هذه التصفية، بسيف المعتز أو بذهبه، المسار السياسي عنوانه «ما بعد حماس في غزة»، وسيناريوهاته مطروحة للنقاش في مراكز القرار الإقليمية والدولية، وهو يتطابق، تماما، مع هدف الكيان المحتل :
«استئصال» حماس عسكريا وسياسيا، وإقامة إدارة بديلة، أما العنوان الإنساني فهدفه المعلن إنقاذ سكان غزة، وتوفير ما يلزم من أموال لتمويل خطة ما بعد الحرب، فيما الهدف الحقيقي ضمان نجاح هذا المسار السياسي الجاهز، من خلال تنفيذ خطة الترانسفير الناعم، وبناء غزة جديدة، بمواصفات تصب في مشروع محاولة حسم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بدلا من الاستمرار في إدارته.
سأتجاوز الوقائع التي تشير إلى ذلك، ابتداء من الجولات الدبلوماسية المكوكية التي تشهدها المنطقة، ثم المخصصات المالية التي كشفتها وثائق طلب الدعم من الكونجرس الأمريكي، وانتهاء بالدعوات لعقد مؤتمرات إنسانية دولية من أجل غزة (مؤتمر باريس مثلا)، كل هذه المؤشرات تصب في «لازمة» واحدة، أصبحت تتكرر على لسان معظم الأطراف المعنية بالحرب، وهي «لازمة « ما بعد حماس في غزة، ما يعني أن الحرب مهما كانت نتيجتها ستتحول إلى ملف سياسي، الفاعلون فيه أصبحوا معروفين، ويتحركون، بما لديهم من أدوات وإمكانيات، لفرض وقائع جديدة، هدفهم إعلان انتصار سياسي، فيما لا يوجد لدى الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية بشكل مباشر أي مشروع، أو مبادرة للاستثمار في حرب غزة، أو انتزاع أي انتصار سياسي، أو حتى تجنب نكبة ثالثة، وذلك أضعف الإيمان.
صحيح، الحرب لم تضع أوزارها بعد، ولا يستطيع أحد، الآن، أن يتكهن بنتائجها، أو بحدودها الجغرافية والزمانية، لكن المؤكد أنها ستنتهي إلى واقع جديد مختلف تماما، مجال الصراع فيه سياسي بامتياز، وأي انتصار فيه يعادل ما يمكن أن ينتزعه أي طرف على طاولة السياسة، هنا يبرز سؤال مهم : هل ستكون المقاومة (حماس تحديدا) طرفا في المعادلة السياسية، وإذا كانت غير مؤهلة، أو غير مقبولة، أو غير موجودة، فهل الأطراف الفلسطينية الأخرى جاهزة لملء هذا الفراغ، ثم من هي العواصم العربية المرشحة للقيام بهذا الدور، هل لديها ما يلزم من أوراق سياسية للاستثمار في حصاد هذه الحرب وكوارثها، أم أنها ستتكيف مع المشروع المطروح للقبول بالواقع الجديد، كمقابل لوقف الحرب، بصرف النظر عن الثمن المدفوع؟
الإجابات التي تلوح في أفق التحليل وتنبؤاته تبدو صادمة، فالأطراف الفلسطينية، سواء أكانت السلطة أو المنظمة أو الفصائل، لا يبدو أنها قادرة، أو جاهزة للقيام بهذه المهمة، يبقى الدور على العواصم العربية، وهنا اترك للقارئ الكريم تقدير الموقف العربي أثناء الحرب، لمعرفة ما يمكن أن يكون بعده، لكن ما يهمني هو الموقف الأردني الذي خاض المعركة السياسية، بالنيابة عن العرب والفلسطينيين، باقتدار شهد له الجميع، وهو، بتقديري، قادر وجاهز للقيام بهذه المهمة، إذا ضمن ظهيرا عربيا وفلسطينيا يسانده، السؤال : هل هذا الظهير متوفر وفق حسابات عمان السياسية أم لا؟ الجواب للأسف لا، وبالتالي فإن المعركة السياسية ما بعد حرب غزة ستكون أصعب، وخسائرها ربما تكون أفدح، إذا لم يفرز الفلسطينيون، تحديدا، موقفا موحدا، في إطار مواجهة الانتصار السياسي الذي يتم التجهيز له من قبل تل أبيب وحلفائها.
يبقى السيناريو الغائب عن النقاش، وهو : ماذا لو انتهت الحرب على غزة، وظلت المقاومة (حماس تحديدا) قادرة على الاستمرار بحكم القطاع، هل سيكون ثمة استثمار سياسي يتناسب مع الكلفة التي قدمها الفلسطينيون، ومن المرشح، أيضا، للقيام بهذا الواجب ؟ الإجابة قد تبدو متطابقة نسبيا مع الافتراضات السابقة التي يجري الترويج لها، تحت عنوان «غزة ما بعد حماس «، هذا بالطبع مؤسف، ونتيجته ستكون أسوأ على الفلسطينيين وقضيتهم، ولهذا فإن أي جهد عربي فلسطيني يتوجه الآن نحو غزة، تحت أي عنوان سياسي أو إنساني، يجب أن يضع على اجندته الإجابة عن سؤال : ماذا بعد الحرب، أقصد اليوم التالي، كيف ننتصر، أو نتجنب الخسارة على الاقل؟
الدستور