تحليل خطاب الملثم الذي تلى خطاب السيد
د. محمد عبدالله اليخري
04-11-2023 10:50 PM
أثار خطاب "الملثم" المتحدث الرسمي الإعلامي لكتائب الشهيد عز الدين القسام الأخير والذي بثته قناة الجزيرة تجديد الاهتمام بالتطورات الراهنة في المنطقة. وعلى الرغم من أن مدة الخطاب لم تتجاوز ست دقائق، إلا أنه حمل في طياته العديد من الرسائل والتفاصيل التي تجعله موضوع تحليل ومناقشة واسعة.
إن أول ما يلفت الانتباه في هذا الخطاب هو تميزه بالإيجاز والترتيب. يبدو أن الملثم يدرك تمامًا طبيعة العصر الرقمي واهتمامات الجماهير، ولهذا قلص مدة الخطاب لتناسب أفضل الطرق والأساليب المتبعة على منصات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية الأخرى. هذا الاختصار في الزمن يظهر تفهمًا للطبيعة المتغيرة لوسائل الإعلام والاتصال في العصر الحالي.
ما يميز هذا الخطاب أيضًا هو الدقة في بنائه وتوجيهه. إذ أنه لم يكن مجرد مجموعة من الكلمات والجمل المصفوفة، بل كانت كل كلمة وفكرة مختارة بعناية. تم استخدام الأمثال والتشبيهات ببراعة لتسليط الضوء على أهمية القضايا التي يناقشها الملثم في خطابة. كان لديه قدرة استثنائية على الجمع بين اللفظيات والرموز التاريخية لإيصال رسالته بفعالية. على سبيل المثال: تشبيه إبادة الأبرياء بقتل الأنبياء، وتوظيف انتصار داوود عليه السلام على جالوت رغم فارق القوة والعتاد.
أما من الناحية اللغوية، تميز الخطاب أيضًا بالنبر والتنغيم. استخدم الملثم التأثير الصوتي ببراعة، ولفت الانتباه من خلال التركيز على الأحرف الختامية لبعض الكلمات. هذا الاهتمام بالتفاصيل الصوتية أضاف قوة إلى الخطاب وجعله أكثر جاذبية.
يأتي هذا الخطاب في سياق زمني حيث تتوالى التطورات الإقليمية والدولية. تلا الخطاب الطويل لسماحة السيد الذي كان مخيبا لأمال المتابعين بحسب ما تم رصده من ردود فعل وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي والمحللين السياسيين، وبالفعل، تم تصميم وحياكة وكتابة والقاء خطاب الملثم ليكون ردًا سريعًا على الأحداث السائدة. بالإضافة إلى ذلك، جاء الخطاب بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة، وهذا يعكس أن هناك تطورات دبلوماسية جارية تؤثر في الوضع.
تميز الخطاب أيضًا بتقديم معلومات دقيقة حول العمليات العسكرية الجارية. اذ تحدث الملثم عن تحييد العديد من الآليات العدائية خلال فترة قصيرة، مما يظهر قدرتهم على تحقيق نجاحات عسكرية هامة.
مفاجأة أخرى كانت في إعلان الملثم عن دخول أسلحة جديدة نوعية ومحلية الصنع إلى ساحة الصراع. هذا يشير إلى تقدم التكنولوجيا والتطوير الذاتي للمقاومة في استخدام الأسلحة المناسبة للظروف الميدانية.
لا يمكن تجاهل استخدام الصورة والرمزية في الخطاب. إعلان الملثم عن نشر صور وفيديوهات تُظهر تدمير الأعداء والاشتباكات القريبة يعزز الأثر البصري للرسالة ويزيد من إقناعية البيان ووعد بنشر توثيقات في الوقت القريب وقصد به رفعا لمعنويات المقاومة وتحطيما لمعنويات الطرف الاخر.
ختامًا، عكس خطاب الملثم رسالة من التحدي والصمود. جمع بين الايجاز والدقة اللغوية واستخدام الصورة بشكل فعّال. كما أظهر التأثير الصوتي والإيقاع كوسيلة لجذب الانتباه. وأشار بإيجاز إلى تطور الأحداث في الساحة الإقليمية والدولية وبين قدرة المقاومة على التكيف والتحدي في وجه التحديات المتجددة.