قراءة موجزة في خطاب نصرالله
كمال زكارنة
04-11-2023 07:57 PM
باديء ذي بدء،يجب التأكيد على بعض الثوابت،اهمها، انه لا يجوز تحميل حزب الله مسؤولية من الواجب ان يتحملها وطن وامة ،والطلب منه ان يقوم بما يتوجب على الامة العربية جمعاء القيام به بشكل جماعي وشمولي،وان حزب الله لا يمثل الامة الاسلامية في الدفاع عن فلسطين، كونه مدعوم من ايران تسليحا وتمويلا ورعاية،
ولا بد من الاعتراف ايضا ،بان الجهوزية القتالية التي تتمتع بها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ،من جميع جوانبها تعود بنسبة تسعين بالمئة لحزب الله ويران،وان هذه القراءة تنطلق بشكل رئيسي من مسألتين اساسيتين، هما محور المقاومة ووحدة الساحات ،وليست من منطلق الزام او اجبار حزب الله على المشاركة في التصدي للحرب الاسرائيلية على قطاع غزة وفتح جبهة الشمال بشكل واسع.
بدأ الامين العام لحزب الله حسن نصرالله خطابه بالتغني والغزل بصمود وشجاعة وبطولة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ،وتخطيط وتنفيذ عملية طوفان الاقصى ونتائجها وانعكاساتها ،ووهن دولة الاحتلال وانها اوهن من بيت العنكبوت ،وقدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والتحدي والتصدي للعدوان الاسرائيلي،لكنه هنا حرص على تقديم صكوك غفران وبراءة، بأن عملية طوفان الاقصى كانت فلسطينية التخطيط والتنفيذ والقرار والتوقيت،وانه لا علاقة لحزب الله ولا ايران بهذه العملية بأي شكل من الاشكال،وكرر التأكيد على براءة الحزب منها عدة مرات بشكل لافت،وعدم علم وحدة الساحات ومحور المقاومة بها.
واعتبر نصرالله ان مساندة غزة والدفاع عنها ووقف العدوان عليها مسؤولية عربية جماعية اسلامية دولية ،واعاد التأكيد على المسؤولية الجماعية عدة مرات،كما انه اعتبر جبهة الشمال ،جنوب لبنان،جبهة تضامن ومساندة،وليست مشاركة حتما في الحرب،وهنا ابتعد نصرالله او خرج من الالتزام بوحدة الساحات ومحور المقاومة،وتنصل ونأى بنفسه وحزبه بعيدا عن اية مسؤولية منفردة تجاه غزة والمقاومة فيها،وخاصة ما يتصل بعملية طوفان الاقصى.
واشار نصرالله في خطابه،الى ان حزبه يشارك في الحرب منذ الثامن من اكتوبر الماضي،اي بعد عملية طوفان الاقصى بيوم واحد،وان مشاغلة حزب للعدو هناك خففت الضغط على غزة ،واجبرت العدو على حشد عشرات الاف الجنود على الجبهة الشمالية اللبنانية،بينما المشاغلة التي يقوم بها حزب الله على الجبهة اللبنانية تجري وفق قواعد الاشتباك،ولم تشغل الحشود العسكرية الاسرائيلية على تلك الجبهة،اضافة الى ان هذه الحشود لا يحتاجها جيش الاحتلال للتدخل في الحرب على غزة،فقد خصصها للجبهة اللبنانية،وحشد ما يكفي ويزيد من الجيش والعتاد الجوي والبري والبحري للعدوان على قطاع غزة،ولو كانت الجبهة اللبنانية مشتعلة فان العدو سيضطر لسحب قوات اخرى الى جبهة لبنان ،لان قوة حزب الله العسكرية تعادل اضعاف قوة المقاومة في قطاع غزة،عند ذلك سيخف الضغط العسكري على جبهة غزة ،كما ان العدوان على غزة يعتمد بشكل رئيسي على سلاح الجو ،والاجتياح البري المحدود بدأ قبل اربعة ايام،فيما يتواصل القصف الجوي والبحري والبري منذ السابع من اكتوبر،وكان نصرالله هدد بالتدخل الواسع في الحرب في حال تم الاجتياح البري، وقد بدأ.
اعتبر نصرالله تدخل انصار الله في اليمن وبعض الفصائل التابعة لايران في العراق وسوريا في الحرب عملا مهما ، وان هذا العمل محسوب لمحور المقاومة ووحدة الساحات ،علما بأنه غير مؤثر على مجريات الحرب حتى الان،ولم يغير في معادلة القتال.
لم يخل خطاب نصرالله من توجيه التهديد والوعيد للولايات المتحدة الامريكية والاحتلال الاسرائيلي كالعادة،وشدد على ضرورة حماية المقاومة في قطاع غزة وحركة حماس تحديدا وانتصارها،ولم يشرح كيف،وقطاع غزة يشهد عدوانا متواصلا منذ شهر تقريبا ،ارتقى بسببه حتى الان اكثر من اثني عشر الف شهيد ومفقود ،واكثر من خمسة وعشرين الف جريح،وتدمير ربع قطاع غزة والبنية التحتية والمشافي والمدارس والمخابز وغيرها،الى جانب الحصار القاتل ،الذي يتمثل في منع المياه والغذاء والكهرباء والدواء والوقود.
ربط نصر الله تدخل حزبه الواسع في الحرب ،بمسالتين،الاولى تصاعد العدوان على غزة ومدى صمود المقاومة التي لا يمكن السماح بانهيارها ،وبالاعتداءات الاسرائيلية على لبنان،لكن السؤال المطروح هنا،ما هو التصعيد الذي يحدده نصرالله حتى يتدخل ،وهل كل هذه الحرب والمذابح والمجازر والابادة الجماعية والدمار ،لم تصل كلها سقف التصعيد الذي ينتظره نصرالله.
حرص نصرالله على الفصل بين عملية طوفان الاقصى من جهة وبين حزب الله وايران من جهة اخرى،لكنه ابقى الباب مواربا لكل الاحتمالات خلال الايام والاسابيع القادمة،طبقا لتطورات جبهة غزة وجبهة لبنان.
ندرك ان قرار دخول حزب الله الحرب بشكل واسع ليس قرارا حسناويا،بقدر ما هو قرار ايراني بامتياز،لأن ايران هي التي ستتكفل بالغطاء العسكري والمالي للحزب،اضافة الى رأي القوى الداخلية اللبنانية التي تعارض بشدة اي مشاركة في هذه الحرب.
شكل الخطاب خيبة امل للغالبية العظمى من بين الذين انتظروه ،لأنه جاء عكس توقعاتهم وتمنياتهم.