كيف يقرأ الأردنيون الهجمة الإعلامية الغربية على الملكة؟
عمر الرداد
03-11-2023 03:11 PM
تشهد أوساط إعلامية غربية، ذات مرجعيات يمينية، هجمة مدروسة ومخططة على جلالة الملكة رانيا العبد الله، على خلفية مقاربات قدمتها جلالة الملكة لشبكة CNN، حول الحرب الدائرة بين إسرائيل والمقاومة في قطاع غزة، والتي تجاوزت" حق الدفاع عن النفس" الذي تستند له إسرائيل في حربها على قطاع غزة، عبر تدمير ممنهج للبشر والحجر، وكي لا يبقى الحديث عاما، فيما يلي ملاحظات محددة حول مضامين وسياقات مقاربات جلالة الملكة وردود فعل بعض الأوساط الغربية عليها:
أولا: ان مقاربات جلالة الملكة موجهة للمتلقي الغربي، تخاطب عقله وضميره وتمثل مواقف الشعب الأردني والشعوب العربية والإسلامية حينما تحدثت عن غياب العدالة وازدواجية المعايير الخاصة بحقوق الانسان لدى الغرب، حينما يتعلق الامر بحقوق الانسان الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ف"حرية التعبير هي قيمة عالمية إلا عندما تذكر فلسطين"، وأوضحت جلالتها ان الاعلام الغربي يتعاطى مع اية وجهة نظر تتضمن تضامنا مع الفلسطينيين ،وبمرجعيات حقوق الانسان المتفق عليها عالميا، بانه تضامن مع الإرهاب ومعاداة للسامية، وهي تهمة جاهزة" معلبة"، ولا شك ان جلالة الملكة عبرت عن الشعوب الإسلامية، في شكوكها بازدواجية المعايير الغربية، فهذه الشعوب تابعت كيف تدافع الغرب دفاعا عن مقتل الفتاة الايرانية" مهسا اميني" وكيف هب هذا الغرب كله لضمان ان لا يتحول المواطنون الاوكرانيون الى لاجئين.
ثانيا: ان مقاربات العدالة والمساواة الانسانية ليست جديدة في خطابات جلالة الملكة، فهذه المفردات والمفاهيم تشكل ثابتا في الخطاب الملكي الأردني، بمرجعية مقاربات نقدية تفكك مقولات خطابات غربية تخفي جملة من الانساق والأحكام المسبقة، فعلى سبيل الاستشهاد غير المحصور، قالت جلالة الملكة في قمة "عالم شاب واحد" ، التي انعقدت قبل أيام من انطلاق حرب غزة في بريطانيا "يبدو وكأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أصبح للكثيرين أمراً مُجرداً، استعارة لكراهية مستعصية، مكان يُفضل العالم نسيانه، لكن الوقت يمضي، عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا في هذا العام على أيدي إسرائيليين فاق أي من السنوات الخمس عشرة الماضية. وفي كل ثانية... من كل دقيقة، من كل يوم، تُسلب حرية ملايين الفلسطينيين، تُسلب حقوقهم وهويتهم أمام أعيننا، أسر فلسطينية تُهجّر من أراضيها، مصلون في الأقصى يتعرضون للهجوم والوحشية، عائلات تدفن تحت أنقاض المنازل، في الوقت الذي يُسجن فيه أطفال في سن الثانية عشرة لمجرد رمي الحجارة... المواطنون الإسرائيليون يحتاجون السلام أيضاً. فوحشية الاحتلال تؤجج عدم الاستقرار والخوف لدى الجميع"، وفي كلمة جلالتها بمنتدى باريس للسلام قبل عام قالت: حان الوقت لنقلة نوعية، وذلك سيتطلب عمليات تصويب حاسمة ، من بينها" الاعتراف بأننا جميعاً متساوون في القيمة".
ثالثا: بعيدا عن المقاربات السياسية، وبمرجعيات حقوق الانسان والقوانين والشرعة الدولية، فبالاضافة الى ان مقاربات الملكة تمثل كافة الأردنيين والكثير من الشعوب العربية والإسلامية، فقد جاءت منسجمة مع مقاربات عدد كبير من القيادات الدولية والإقليمية، على راسها الأمين العام للأمم المتحدة، بالإضافة لقيادات عربية وإسلامية ترفض استهداف المستشفيات في قطاع غزة ومنع الدواء والغذا عن مواطني غزة، وحروب الإبادة الجماعية، وهو ما يهدد اليوم بكارثة إنسانية في القطاع، وفقا لمنظمات دولية مستقلة، ستكون عارا في جبين الإنسانية لعقود قادمة في حال استمرارها، وهو ما يبدو ان الإدارة الامريكية وحكومات غربية مؤيدة لإسرائيل، ادركته بعد ضغوط دولية بهذا الخصوص، فبدات امام هول الصور المتدفقة من غزة تطرح مطالبات لإسرائيل بهدنة انسانية والالتزام بقوانين الحروب وتحييد المدنيين، وعدم الحيلولة دون استمرار مستلزمات حياة الانسان، بمعزل عن لونه ودينه وعرقه.
رابعا: مقاربات جلالة الملكة منسجمة مع خطابات القيادة الأردنية وعلى راسها جلالة الملك، والتي طالما حذرت من ان سياسات وإجراءات الحكومات اليمينية المتطرفة لن تكون نتيجتها الا المزيد من التطرف والعنف وانفجار الأوضاع في المناطق الفلسطينية، وهو ما حدث بانطلاق احداث السابع من أكتوبر، وان لا حل دائم الا بترجمة مبدا حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على ارضه بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، ولعل ما يشهده العالم اليوم من عودة للمقاربات الملكية بوقف اطلاق النار والبدء بجهود إغاثة لقطاع غزة، ثم الانطلاق لمعالجة جذور الصراع بما يفضي لدولة فلسطينية ما يؤكد صوابية المواقف الأردنية.
مؤكد ان الحملة التي تستهدف جلالة الملكة والاردن سيكون مصيرها الفشل ، فاحترام القيم الانسانية في السلم والحرب ومفاهيم العدالة والمساواة بين البشر منظومة يقف خلفها غالبية العالم ، افرادا ومؤسسات، والاردن ليس وحيدا ،فله من الأصدقاء والمؤمنين بما يؤمن ما يكفي لتعرية وفضح زيف اتهامات بالكراهية ومعاداة السامية.