هل ستتعلم إسرائيل من الحرب شيئاً؟
عامر طهبوب
03-11-2023 02:05 PM
هل ستتعلم إسرائيل من هذه الحرب شيئاً، ولنلقي بالسؤال على الطريقة الإسرائيلية: هل ستستفيد من العبر؟ وما العبر التي ستستخلصها في هذه الجولة من المواجهة؟ ما الدرس الذي سيتعلمه على سبيل المثال رئيس مجلس مستوطنة كريات أربع في الخليل، وولده "إلياكيم ليبمان"، ابن الرابعة والعشرين، وهو يقبع أسيراً بيد فصائل القسام في أنفاق غزة، برفقة المستوطن "إيتان مور"؟ لا أظن أن هذا المحتل قابل للتعلّم.
لا أظن أن المحتل تعلّم درساً في جحر الديك، لكن لا لغة أخرى غير القوة يمكن أن تعلمه، أول حصة في الدرس أن الاحتلال لا يدوم، وأن كل قوته العسكرية، تنكسر أمام إرادة شعب يريد الحياة، ويسعى إلى الحرية، وأن الفلسطيني ليس عبداً، لا يمكن احتلاله مع احتلال أرضه، الفلسطيني صاحب روح حرة، ألم يثبت ذلك عبر عقود من المواجهة؟ ألم يثبت الفلسطيني أنه ابن فلسطين، أن الأرض أرضه، وأن التراب ترابه، وأن جحر الديك جحره.
هل تعرفون قصة جحر الديك؟ تلك أرض سهلية خصبة تقع على الخط الأخضر الفاصل بين غزة والأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948، سهول وتلال عديدة منها تل الغلاييني، وتل جحر الديك، والديك حقيقة، والجحر حقيقة، جحر تحصن فيه ديك فلسطيني هرب من راعي غنم عابر إلى غزة، لبيع الدجاج في أقفاص من "القصيب"، تلك السهول كانت على مر التاريخ معبر التجار إلى غزة، طريق الحرير لقرى محيط غزة في اتجاه البحر، هرب الديك من الراعي، أخذ يبحث عنه دون جدوى، دعا المزارعين في السهل لمساعدته في البحث عن الديك، كان الديك قد تحصن في مأمنه في جحر في بطن التل، يراقب الراعي والمزارعين وهم يبحثون عنه، ظل صامداً، وظل الراعي دائم البحث عنه، ودائم السؤال كلما عاد كل خميس إلى غزة، حاملاً معه أقفاص الدجاج.
تلك قصة حقيقية، صار اسم السهل "جحر الديك"، وتغيرت أحوال فلسطين، وكثر الدجاج على حدود غزة، ظل المزارع يُقلّم أشجار الحمضيات، والزيتون، ويزرع الأرض الممتدة على مساحة ثمانية كيلو مترات مربعة، وظل الديك يرقب السياج على الخط الفاصل بين أرضه وأرضه، حيث ينتشر الدجاج، وكان في شوق إلى "كبسة" على دجاجة.
كان جحر الديك على مدى التاريخ سلة غذاء غزة، حيث تنحدر الأراضي من الشمال الشرقي، نحو مجرى وادي غزة جنوباً، وتغيرت الأحوال بعد الاحتلال، تحولت مساحة من أراضي السهل إلى مكب نفايات، لكن المزارع الفلسطيني لم يترك الأرض، ولم يترك الديك أرضه، وجاءت الحرب على غزة، وكان الديك ملهِماً لرجالات المقاومة، وكانوا قد كشفوا عن الجحر، كمين كان موقعاً تحصّن فيه الديك للانقضاض على الدجاج، كان مُلهَماً ومُلهِماً للمقاومة، وتحول الجحر إلى نفق، تحصن فيه أكثر من ديك، ومع تواصل الحروب على غزة، توسع النفق، وامتد، وتعمّق، وأصبح جاهزاً لاستقبال الأسود، والنمور، من جحر الديك إلى القرارة، ووادي السلقا، وبني سهيلا، وعبسان، وإلى كل مكان. في ربوع غزة.
جاءت الحرب، وخرج الأسود من العرين، وفي أقل من 48 ساعة، أجهزوا على 41 ضابطاً وجندياً من لواء "غولاني"؛ هذا ما قالته "يديعوت أحرونوت"، لست أنا. 41 من لواء النخبة قضوا على يد أسود كانوا أشد قسوة من الجبال، وأكثر عُلوّاً من قمم الجبال، وأسقط "الياسين" الآليات المصفحة بالفولاذ، "الياسين" المصنع في ورشات الحدادة، وصواريخ "هوم ميد" مصنعة في غزة من أنابيب المياه والمجاري، حرب بدائية، أسلحة بدائية، كل ما غزة بدائي الصنع، لكنه فاعل، وقاتل، ومؤلم. الخيل من الخيال، والحرب في عزيمة الرجال، في الإيمان وفي الإقدام، فهل ستتعلم إسرائيل أن أمنها لا ينفصل عن أمن فلسطين، وأن أمن الإسرائيلي لا ينفصل عن أمن الفلسطيني، وأن الأرض فلسطينية بامتياز، حق للفلسطيني لا فضلاً من المحتل. هل ستتعلم إسرائيل من درس اليوم، أم ستواصل غطرستها، وغرورها، ووهمها، وجرائمها؟
لا أظنها ستتعلم، ولا بديل عن تواتر المقاومة مهما ارتفعت الكلفة، هكذا تحررت الجزائر، وهكذا نال كل شعوب الأرض حريتهم واستقلالهم من كل محتل غاصب، تلك هي الطريقة الوحيدة، السلام لا يصنع إلا بالنضال والقتال، تلك هي اللغة التي يفهمها هذا المحتل، وهذا أسوأ أنواع الاحتلال عبر التاريخ، وأكثره مقتاً وإجراماً وعنصرية.