يجمع العديد من علماء التاريخ والانساب أن هاشم الذي توفي ودفن في غزة هو كذلك قد ولد فيها ، فكان لغزة الميلاد والوفاة ،
فقد قال البلاذري( صاحب فتوح البلدان وانساب الاشراف الذي عاش في العصر العباسي والمتوفي سنة 892م ) : وصلة هاشم بغزّة قديمة منذ مولده فيها .
وقال ايضا :
" كان هاشم بن عبد مناف صاحب إيلاف قريش الرحلتين، وأول من سنها. وذلك أنه أخذ لهم عصما من ملوك الشام، فتاجروا آمنين "
أما البيهقي صاحب التصانيف الجليلة وسنن البيهقي واسمه ابو بكر علي بن موسى الخراساني قال : " كان مولده بغزة من بلاد الشام " ، وقال : " ولمّا رحل في شأن الإيلاف على قيصر ، قال له قيصر : وما قدر الحاجة إليكم حتى نتكلف لكم هذه الذمة ؟ قال : ليس كل من يحسن إليه الملك يكون الملك محتاجاً لما عنده ، ولو كان ذلك لقل إحسان الملوك ؛ ولأن نأتيك بوجه الضراعة والحاجة إليك خير من أن نأتيك بوجه الاستغناء عنك والدالة عليك ! ففسر له كلامه فأعجبه ، وأمضى له ما أحب "
وقال مؤرّج السدوسي المتوفي سنة 810ميلادي وله جماهير القبائل وغريب القرآن والانواء وغيرها قال : " كان يأمر قُرَيْشاً أن يرحلوا إلى الشَّام في الصَّيف وإلى الْيَمنِ في الشِّتاء ، لبرد الشَّامِ ولحرِّ الْيَمَنِ ، فهما الرِّحلتان : رحلةُ الشِّتاء والصَّيفِ "
وقال ابن هشام صاحب السيرة النبوية وله في تاريخ العرب المتوفي سنة 218 هجرية قال : " كَانَ هَاشِمٌ ــ فِيمَا يَزْعُمُونَ ــ أَوّلَ مَنْ سَنّ الرّحْلَتَيْنِ لِقُرَيْشِ : رِحْلَتَيْ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ ، وَأَوّلَ مَنْ أطعم الثريد للحجاج بِمَكّةَ ، وَإِنّمَا كَانَ اسْمُهُ : عَمْراً ، فَمَا سُمّيَ هَاشِمًا إلّا بِهَشْمِهِ الْخُبْزَ بِمَكّةَ لِقَوْمِهِ ، فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ :
عَمْرُو الّذِي هَشَمَ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٍ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَــــافِ
سُنّتْ إلَيْــــــهِ الرّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا ... سَفَرُ الشتاء، ورحلة الإيلاف
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ :
قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عجاف
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وهو أول من كتب السيرة النبوية وأبرز مؤرخي العرب توفي في بغداد 768م : ثُمّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزّةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ تَاجِراً
وقال الثعالبي النيسابوري وهو المتوفي سنة 961ميلادي : " كَانَ أوّل من خرج إِلَى الشَّام ، ووفد إِلَى الْمُلُوك ، وَأبْعد فِي السّفر ، وَمر بالأعداء وَأخذ مِنْهُم الإيلاف الذى ذكره الله هَاشم بن عبد منَاف ، وَكَانَت لَهُ رحلتان رحْلَة فِي الشتَاء نَحْو العباهلة من مُلُوك الْيمن وَنَحْو اليكسوم من مُلُوك الْحَبَشَة ، ورحلة فِي الصَّيف نَحْو الشَّام وبلاد الرّوم ، وَكَانَ يَأْخُذ الإيلاف من رُؤَسَاء الْقَبَائِل وسادات العشائر لخصلتين إِحْدَاهمَا أَن ذؤبان الْعَرَب وصعاليك الْأَعْرَاب وَأَصْحَاب الغارات وطلاب الطوائل كَانُوا لَا يُؤمنُونَ على أهل الْحرم وَلَا غَيرهم ، والخصلة الْأُخْرَى أَن أُنَاساً من الْعَرَب كَانُوا لَا يرَوْنَ للحرم حُرْمَة وَلَا للشهر الْحَرَام قدراً كبنى طَيء وخثعم وقضاعة ، وَسَائِر الْعَرَب يحجون الْبَيْت ويدينون بِالْحُرْمَةِ لَهُ ، وَمعنى الإيلاف إِنَّمَا هُوَ شَيْء كَانَ يَجعله هَاشم لرؤساء الْقَبَائِل من الرِّبْح ، وَيحمل لَهُم مَتَاعاً مَعَ مَتَاعه ، ويسوق إِلَيْهِم إبِلاً مَعَ إبِله ليكفيهم مئونة الْأَسْفَار ويكفى قُريْشًا مئونة الْأَعْدَاء ، فَكَانَ ذَلِك صلاحاً لِلْفَرِيقَيْنِ إِذْ كَانَ الْمُقِيم رابحاً وَالْمُسَافر مَحْفُوظًا ، فأخصبت قُرَيْش وأتاها خير الشَّام واليمن والحبشة ، وَحسنت حَالهَا وطاب عيشها ، وَلما مَاتَ هَاشم قَامَ بذلك الْمطلب ".
وكانت رحلة قريش إلى بلاد غزّة لا بدّ لها من المرور بأيلة ، وهذا يعني أنَّ هاشماً الذي وُلد ومات بغزّة كان يقوم بقيادة قافلة قومه من مكّة إلى بلاد غزّة مروراً بأيلة ، وكان هذا حال من بعده . أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : كانت قريش تتجر شتاءً وصيفاً فتأخذ في الشتاء على طريق البحر وأيلة إلى فلسطين يلتمسون الدفاء ، وأما الصيف فيأخذون قبل بصرى وأذرعات يلتمسون البرد فذلك قوله : إيلافهم "
وقال عبد العزيز بن صالح : " نسب إلى هاشم بن عبد مناف أنه آلف ملك الشام ، أي حصل على إيلاف أو عهد من قيصر الروم أو ملك غسان الممثل له في جنوب الشام لتنشيط التعامل مع قريش وتأمين تجارتها في ممتلكاته ، كما اكتسب مودة أحياء العرب وأمراء الشام المحليين لا سيما في أيلة وغزة والقدس حتى بصرى في حوران إلى الجنوب الشرقي من دمشق "