إستيقظ العالم العربي يوم السابع من حزيران 1967 على هزيمةٍ وسقوطٍ مدوٍ للأمة العربية بأكملها؛ وتركت تلك الهزيمة آثاراً سلبيةً على الانسان العربي من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ ودخلت الأمة في مرحلة التيه الحقيقي؛ ودفعت ثمناً باهظاً كلفها مكانتها بين الأمم وأسقط القيمة المعنوية لتاريخها المجيد، وسهَّل الاعتداء على بنيتها العقائدية المتمثلة بالدين الاسلامي، وكان ذلك كله بسبب عدم قدرة العرب على استغلال اللحظة التاريخية لتوحدهم بعد انهيار الخلافة العثمانية بداية القرن العشرين، وبسبب حجم المؤامرة الدولية التي صنعت بينهم الجواسيس والعملاء والتي عملت على إدامة ضعفنا وتفرقنا وتثبيط دعواتنا للوحدة والتلاحم لدخول المستقبل.
ثم أتى بعد تلك الهزيمة بشهرين مؤتمر الخرطوم، والذي تم اعتباره كأهم المؤتمرات المفصلية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، والذي اشتهر بقراراته التاريخية التي ركزت على ( لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف باسرائيل ).
واليوم نرى تراجعاً لا بل وانهياراً تاماً لبنية النظام العربي الذي نخره سوس الخيانة والتآمر والتشكيك وعدم الثقة، والسعي للزعامات الورقية على حساب الأخوة العربية، والتقرب- إلى الغرب وإسرائيل – زُلفى، وبروز موجة الصهاينة العرب، والمثبطين للهمم، والقاتلين لكل حلم عربيٍ بالوحدة، والمتآمرين على أية تجربة حقيقية لمفهوم الدولة الحديثة؛ وغدت القمم العربية المتعاقبة محطات لتقويض معنويات الانسان العربي الذي لديه آمال وطموحات كبيرة مستندة على أرث حضاري كبير، وغدونا نتوسل بقرارات القمة العربية إسرائيل أن تقبل بمبادرات السلام العربية التي يتم طرحها بين الفينة والأخرى بدل أن تسعى بنفسها للحصول على ذلك السلام بكل الطرق.
وتبع كل ذلك موجات التطبيع العلني وتنسيق الزيارات والارتباط العضوي بين بعض الدول العربية وإسرائيل؛ وافتقرت قراراتنا العربية إلى مبدأ تحصين القضية الفلسطينية أو التفريط بها أو جعلها خطاً أحمر لا يجوز المساس به، ودرجنا على الانقلاب على القرارات قبل أن يجف حبرها.
وتراجعنا عن سياسة ( السلام من موقع القوة ) ودعوات تحرير الأراضي العربية المحتلة إلى طرح المبادرة العربية للسلام التي حظيت بإجماع عربي مطلق، أدى إلى أن تتحول ( لاءات ) مؤتمر الخرطوم الثلاثة في عام 1967 بقدرة قادر إلى اثنتين وعشرين ( نعم )؛ إلا أن معظم الشعوب العربية ما زالت مصممةً على رفض التعامل أو التواصل أو السلام مع إسرائيل رغم كل الاجراءات التي تمارسها بعض الأنظمة العربية مع شعوبها.
واليوم ونحن على مسافة أيام من مؤتمر القمة العربي الطارئة في الرياض الأسبوع القادم - نعيش قلقاً حقيقاً لا يخفى على أي مراقب، قلقٌ على وضعنا العربي في المرحلة القادمة وعلى مستقبلنا نتيجة الضعف العربي وغياب معظم القادة العرب عن التأثير أو إظهار الصلابة التي ظهر بها جلالة الملك عبدالله الثاني نحو قضية الاعتداء على غزة وجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها القوات الاسرائيلية على مرأى العالم أجمع حين رفض جلالته وبكل صراحة تهجير الفلسطينيين لدول الجوار وما سيترتب على ذلك من إتساع رقعة الصراع ودخول أطراف جديدة للمعركة ستعمق جراحات المنطقة برمتها حين شدد جلالته على وقف شلال الدم البريء النازف من الأمهات والأطفال البريئين الذين تحميهم القوانين الدولية التي سحقتها الدبابات الإسرائيلية تحت جنازيرها وأمام صمت العالم المتحضر وخذلان الأمة العربية المتردية .
إن موقفنا كأردنيين اليوم في هذه المرحلة الحاسمة من عمر المنطقة ونحن ننحاز انحيازا كاملا ( قيادة وشعبا وموقفا دبلوماسياً ) يجعلنا نؤمن بأن هذا هو موقف الشرفاء في الزمن الصعب حين نتمسك بوحدتنا الوطنيّة، وحين نرفض الإملاءات الخارجية، وحين نكتب بمداد الدم وعنفوان القوة وروح التصميم طرقات مستقبلنا وسفرنا الوجودي باستغلال الفرصة السانحة للثبات على مبدأ ( المنية ولا الدنية ) وعلى ما يبدو أن قدرنا قد حتَّم علينا أن نظل شرفاء تيمناً بالأرض المباركة التي نعيش عليها، فهي لا تقبل إلا عباد الله المخلصين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
إن الأردنيين الذين ما زالوا يتنسمون عطر معركة الكرامة ما زالوا يربضون في شعاب وادي الأردن ... يحلقون نسوراً فوق جبال جلعاد منتظرين الوعد الحق للسير نحو القدس، وما زالت قلوب الفئة المؤمنة التي قاتلت في اليرموك ومع أبو عبيدة عامر بن الجراح وفي مؤتة العز وفي كرامة الغور تتحفز للظفر والثأر والنصر على بغات الأرض ومن والاهم وبقينا الوحيدون في الأردن الذين ينتظرون على أطلال فلسطين بعدما تركتنا قوافل العرب وبقي معنا الشرف والمجد والتاريخ والعلياء ينتظر حشد الله ورباطه في هذه الأكناف المقدسة، فالمجد يليق بنا عندما يختلط الدم الطاهر لجعفر في مؤته، وأبو عبيدة في عمواس ومعاذ في الشونة وكايد المفلح العبيدات، وحسين حرب ومعاذ الكساسبة، وراشد الزيود، وسائد المعايطة وآلاف الأبطال من أهل الصّبر والمروءة.. لنا المجد على هذه الأرض لأننا القابضون على جمر الصّبر والنّصر، لنا المجد في الأردن الذي حوى وما زال يحتوي الموجعة قلوبهم من نائبات الدهر ومن غضب بلدانهم؛ لنا المجد وكل أردني ما زال يدق أبواب العزة والشموخ ويحمل في قلبه عزة الجندي العربي الشريف، ونباهة الفارس النبيل وحكمة القائد المغوار، ونحن ننتظر يوم تحرير الأرض والإنسان من براثن الاستعباد القسري.
لكم جميعاً أيّها الأردنيون القابضون على جمر الصبر تحية المجد والسؤدد والفخار..
ولكم جميعاً يا أهل فلسطين الحبيبة ويا أهل غزة الأبية الجريمة النازفة تحية الفخر وتحية الإكبار على صمودكم ورفضكم للصفقات وخيانة العملاء.. وبالروح والدم نفديك يا فلسطين..