بسم الله الرحمن الرحيم ...
يكمن الحد الأدنى للتردد - باعتقادي – من قيام نقابة للمعلمين، في كون النقابة ستشكل وسيلة ضغط قاسية عند المطالبة بحقوقٍ وامتيازات تضيف أعباء على الموازنات، مثلما ستشكل ليَّ ذراعٍ للذين ما زالوا يعتقدون ان سقف الحريات عند حدة الادنى، واستكانوا إلى الاختباء وراء تصريحات ظاهرها الحق وباطنها من قبله العذاب.
وفي الحد البعيد للخوف من النقابة، يجد أكثر القلقين أن نقابة بحجم هائل من المعلمين، ستنضم إلى نقابات اتخذت السياسة والعمل بها منهجاً دون الالتفات لأصل ترخيصها كرفع سوية المهنة وما إلى ذلك إلا قليلا.
وبين التردد الحكومي الممزوج بالرغبة في التهدئة وعرض البدائل، والإصرار من قبل المعلمين على النقابة ورفض كل ما سواها، يبرز الحديث ذو الشجون عن النقابة ودستوريتها وتاريخها.
بدأت المطالبات بنقابة للمعلمين في فترات مبكرة، وفي الخمسينات سواء أنشئت نقابات أو أنشئت لجنة للنقابة، ثم حُّلت عرفياً، فإنها البدايات لما استمرت المطالبة به طوال فترة الثمنينات والتسعينات. فقد عُرضت النقابة على المجلس الوطني الاستشاري، وعلى مجلس النواب الحادي عشر، وفي كل الأحوال قوبلت مطالب المعلمين بالرفض وطرح البدائل، أو بالالتجاء للمجلس العالي لتفسير الدستور الذي اصدر قراره عام 1994 بعدم دستورية النقابة، وهو القرار الذي انشأ جدلية واسعة سواء في استناده للمادة 120 من الدستور، أو في كونه أصبح بحكم نصوص الدستور.
ثم بعد هذا القرار دخلت المطالبات بالنقابة مرحلة بيات شتوي امتدت أكثر من خمسة عشر عاما، حتى قيض لها النهوض بعد تصريحات مثيرة للجدل لوزير تربية اسبق، هب المعلمون على أثرها انتصارا لأنفسهم وبرزت النقابة كأحد أهم مطالبهم، ثم شكلت لغاية المتابعة لجان متعددة كان أبرزها اللجنة الوطنية لإحياء نقابة المعلمين.
وفي مشهد التحول للإصلاح السياسي الذي يقوده جلالة الملك حفظة الله تشكلت حكومة الدكتور معروف البخيت، وكانت النقابة على طاولة أول اجتماعاتها حين أعلنت (أنها تحترم مطالب المعلمين في إيجاد مظلة تنظيمية تؤطر وتؤسس لعملية مهنية التعليم معايير ومزاولة وإجازة وممارسة، مشددة على أهمية فتح حوار هادف للتعريف بتلك المعايير واستكمال هذا الحوار ليفضي إلى تلبية مطالب المعلمين في إنشاء نقابة لهم وفق الأطر القانونية والدستورية).
إن الإشكال الدستوري الذي يجب على الحكومة في طريقها لإنشاء النقابة أن تتخطاه ، هو قرار المجلس العالي لتفسير الدستور القاضي بعدم دستورية إنشاء النقابة، وأود الإشارة هنا إلى أن هذا القرار بطبيعة فهمي له وربما يشاركني غيري طبيعة الفهم هذه، جاء ردا على تصدي مجلس النواب الحادي عشر لإلزام الحكومة بقانون للنقابة، وان عدم دستوريته منوطة بان صاحبة الولاية على شؤون الموظفين العموميين هي السلطة التنفيذية وحدها دون السلطة التشريعية، بمعنى أن القرار أبقى الباب مفتوحا لإنشاء النقابة عن طريق السلطة التنفيذية استنادا إلى المادة 120 من الدستور وستنشأ النقابة في هذه الحال بموجب نظام، أو استنادا إلى المادة 16 من الدستور وحينها تنشا النقابة بموجب قانون.
وفي كل الأحوال فانه أمام الحكومة أكثر من منفذ للخروج من هذا الإشكال الدستوري لكي تنشئ نقابة بقانون قبل أن ترسله لمجلس النواب:
أولهما إعادة الأمر إلى المجلس العالي لتفسير الدستور لكي يأخذ قرارا بشأنه في ظل توفر الإرادة السياسية نحو تشكيل النقابة.
وثانيهما إنشاء النقابة بموجب احكام المادة 16 من الدستور روحها ونصها، أوعلى النحو الذي أنشئت بموجبه بقية النقابات.
وثالثهما السير قدما بما ذهب اليه عدد كبير من السادة النواب الذين رفعوا مذكرة الى دولة رئيس مجلس النواب حول النقابة ليصار الى مناقشتها مع اللجان المختصة في المجلس والخروج بصيغة مشروع قانون يقدم للحكومة لتقوم الحكومة باعادة ارساله الى المجلس.
والجدير ذكره ان مجلس النواب حمل مسؤولية انشاء النقابة وبرز ذلك في كلمات الغالبية من اعضاء المجلس في جلسات الثقة بالحكومة السابقة وغيرها، كما وسبق لرئيس مجلس النواب واعضاء من المجلس الجلوس مع الهيئات المشكلة من المعلمين للحديث حول المخرج القانوني للنقابة وقبل تكليف دولة معروف البخيت بحكومته الحالية.
وأيا كانت المادة الدستورية التي سيستند إليها قانون النقابة، فانه آن الأوان لإنشائها، وآن الأوان لإطلاق الحوار الوطني الملتزم حولها، ولا بد من الإشارة إلى انه من الضروري أن تتضمن بنود النقابة ما يمنع تسييسها وإخراجها عن أهدافها، فمصلحة الوطن اكبر من الجميع، وإذا ما اتجهت النقابة في تأسيسها نحو حفظ حقوق المعلم والتصدي للمطالبة بحوافزه وامتيازاته وعلاواته وكل ما من شانه رفع سوية التعليم ، فان إنشاء النقابة هنا هو مصلحة وطنية عليا.
* خاص بـ "عمون" ..