من أين يستمد الشعب الفلسطيني قوته؟
نبيــــه عويضــــة/القدس
27-07-2007 03:00 AM
واجه الشعب الفلسطيني عبر مسيرته التاريخية والنضالية ، الكثير من الصعوبات والعقبات والمؤامرات والضغوطات ، في محاولة لإحباطه وحرفه عن طريقه ، وتنوع من ساهم في إيجادها على امتداد العالم ، وعلى مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، كل ذلك للحيلولة دون وصوله إلى حقوقه التي منحه إياها الله والتاريخ ، وأقرتها واعترفت بها الشرعية الدولية .ورغم كل ما عاناه هذا الشعب الأصيل ، فقد ظل قابضا على الجمر ، متمسكا بمبادئه ... مدافعا عنها ... ملتزما بها ... مؤكدا تعلقه بأرضه ووطنه ، ومعلنا في كل مرحلة من مراحل نضاله ، أن كل ذلك لن يزيده إلا صلابة وقوة ، ولن يثنيه عن تحقيق أمانيه وطموحاته الوطنية والإنسانية ما يواجهه من عقبات وتحديات .
ولكن السؤال الذي لا شك يحير الجميع : من أين يستمد هذا الشعب القابع تحت الاحتلال ، ويواجه كل هذه التحديات ، كل هذه القوة وهذا الصمود الأسطوري ؟
الجواب على هذا السؤال سهل وبسيط جدا بالنسبة لمن يعرف حقيقة الشعب الفلسطيني ، لكنه صعب على أولئك الذين لا يعرفون ، أو أنهم لا يريدون أن يعرفوا ، وهم بذلك يحتاجون إلى إجراء دراسات علمية بحثية مستعينين بجهابذة علماء النفس والاجتماع والسياسة والتاريخ وغيرهم ، للوقوف على حقيقة هذا الشعب .
وبكل موضوعية وأمانة نقول أن مكامن القوة تتمثل في :
أولا : عدالة القضية الفلسطينية ، السياسية والقانونية والتاريخية ، والتي لا تفوقها في عدالتها أية قضية أخرى في العالم .
ثانيا : التمسك بعاداته وتقاليده وتاريخه وثقافته العربية " الإسلامية والمسيحية " وتراثه الوطني ، باعتبارها الحامي للمجتمع من تأثير الثقافات المحيطة والمستوردة والتي من شأنها الإساءة له.
ثالثا : شدة الانتماء إلى الأرض والوطن ، والحب الكبير له.
رابعا : تشبثه بالوحدة الوطنية بمختلف أشكالها وألوانها ومستوياتها ، رغم محاولات البعض إظهار الأمر على غير حقيقته .
خامسا : الاعتزاز بالكرامة الوطنية ، ورفض كل أشكال الضغوط والإغراءات التي تمارس ضده للتخلي عنها .
سادسا :إيمانه الحقيقي بضرورة ترسيخ الديمقراطية ، والتعددية السياسية ، وحرية الرأي والتعبير ، وإصراره على تداول السلطة سلميا ، رغم رفض البعض " القليل جدا " التعامل بها لأهداف ومصالح إما شخصية ، أو لخدمة آخرين .
سابعا : قدرته غير العادية على مواجهة مختلف التحديات والصعاب ، التي لا تزيده إلا صلابة وقوة ..
ثامنا : برنامج الإجماع الوطني الذي وحد الشعب الفلسطيني حتى الآن ، والمتضمن حق العودة وتقرير المصير ، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، كأساس للوحدة الكيانية للشعب الفلسطيني التي تمثلت في منظمة التحرير الفلسطينية .
تاسعا : على امتداد المسيرة الفلسطينية كان هناك تغليب التناقض مع الاحتلال ، على أية تناقضات داخلية وطنية ، قومية ، وإسلامية .
عاشرا : قدرته على فعل المعجزات لو أتيحت له الفرصة لممارسة دوره دون تدخلات خارجية .
إن عشرات السنين من الاحتلال ، وإجراءاته ، و" سياسة العصا والجزرة " التي استخدمها ، لم تستطع أن تنزع عن الإنسان الفلسطيني هويته الوطنية الفلسطينية ، ولا هويته القومية العربية ، أو التنازل عن حقوقه الوطنية ، إنما على العكس من ذلك ، زادته تمسكا بها ، ودفاعا عنها ، ولقد أكد ت الانتخابات الرئاسية ـــــ 2005 ـــ والإصرار على إجراء الانتخابات التشريعية ــــ 2006 ـــ قدرة هذا الشعب على تذليل كل العقبات ، وإفشال كل الذين راهنوا على عدم نجاحها ، فجاءت ـــ وكما اعترف المراقبون الدوليون والمحليون ، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ــــ على أكبر قدر من النزاهة والشفافية ، واستطاعت الجهات المختصة وبتعاون كامل من المواطنين من جعل يوم الانتخابات حقيقة عرسا وطنيا يمكن التغني به ، و مثالا يقتدى به من قبل شعوب أخرى طالبت بانتخابات مشابهة ، وأكد النظام الديمقراطي في فلسطين أنه يتفوق على الكثير من الأنظمة في العالم " حتى تلك التي يشار إليها بأنها من الديمقراطيات المتقدمة والعريقة " ، وهذا دليل على ما يختزنه هذا الشعب من احترام كبير لذاته ، وحب كبير لمن هو أعز وأغلى ...الوطن.
لقد أشاد الجميع بالديمقراطية الفلسطينية ، وبالشعب الفلسطيني وقيادته على حسن الأداء ، ولكن ... وبقدر ما يكون هذا مهما ، ونعتز به ونفتخر ، فإن الأهم هو ما ستأتي به الأيام والأشهر القادمة في ضوء الأزمة الحاصلة الآن داخل الساحة الفلسطينية ، والتجاذبات التي تحاول أن تحرف البوصلة الفلسطينية عن مسارها الصحيح ، فجميع المخلصين يتطلعون الآن إلى الكيفية التي تنهي هذه الأزمة ، وكيف يمكن العمل نحو تعزيز وتعميق الديمقراطية ، والعودة إلى وحدة الصف ، وما هي السبل التي سيتم إتباعها لمواجهة التحديات الكبيرة في هذه المرحلة من تاريخ النضال الوطني .
لقد مر الشعب الفلسطيني عبر مسيرته بالكثير من الأزمات ، وكان في كل مرة يخرج منها موحدا... متحدا ... كان دائما يخرج منها أقوى وأصلب عودا من السابق ، لأن ما يجمعه أكثر بكثير مما يفرقه ، ومع أن الأزمة الحالية لا شك تعد الأقسى والأخطر التي يواجهها ، فإننا لا نشك أبدا بأنه سوف يتجاوزها ، انطلاقا من التجارب التي مرت به ، و حكمة ووطنية قياداته ، الحريصة على الوصول بالسفينة الفلسطينية إلى شاطئ الأمان حاملة معها آماله وطموحاته .
رغم ما تقدم ، وقناعتنا به ، فإنه وللمحافظة على هذه القوة والصلابة وتعزيزها ، نجد أننا مدعوون ل :
أولا : البدء بحملة تعبوية وتثقيفية وطنية شاملة ... هادئة وهادفة ، تخرج الإنسان الفلسطيني من حالة اللاإدراك والتشتت الفكري بسبب ما يجري الآن على الساحة الفلسطينية ، والارتقاء به للوصول إلى آفاق أرحب من حيث الوعي والالتزام والانضباط ، وتبين له مكامن القوة التي يملكها وكيف يطورها ، ونقاط الضعف وكيف يتغلب عليها ، بمشاركة جميع الجهات ذات العلاقة ، وفي مقدمتها وسائل الإعلام ، والمتخصصين في علم السياسة و النفس والاجتماع والتاريخ ... وغيرهم .
ثانيا : التوجه إلى العالمين العربي والإسلامي ، وإلى العالم أجمع ، بخطاب سياسي واحد قوي ، مقنع ، و متفق عليه ، يساهم في حشد التأييد الدولي للقضية الوطنية ، من خلال التأكيد على رغبتنا بإقامة السلام العادل والشامل ، الذي يحفظ حقوقنا الوطنية ، ويعيدها لنا كاملة غير منقوصة، انطلاقا من مبادىء الشرعية الدولية ، وفي الوقت ذاته يشدد على تمسكنا بثوابتنا الوطنية .
ثالثا : إعادة اللحمة للمؤسسات الوطنية في جناحي الوطن ، والاستمرار بتعزيز مبدأ استقلال القضاء وسيادة القانون ، مما يوفر الشعور بالأمن لدى المواطن الفلسطيني ، و تشجيع للمستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال من مختلف الجنسيات على توجيه مجالات استثماراتهم إلى فلسطين ، لثقتهم بأنها مصانة ومحفوظة .
رابعا : بناء الإنسان الفلسطيني على قاعدة " الانتماء " وليس " الولاء " ، ليساهم في تصحيح بعض الأخطاء التي تظهر عبر مسيرة العمل ، من خلال قدرته على توجيه النقد الإيجابي الهادف والبناء ، وحماية المجتمع من تراكم الجوانب السلبية المسيئة له .
خامسا : الارتقاء بالمنهاج والمستوى التعليمي الأكاديمي والمهني ، في جميع مراحله ليتماشى مع واقع التقدم العلمي والتقني الحاصل من حولنا في مختلف أنحاء العالم وأهمية ذلك في بناء الوطن .
سادسا : تشجيع التوجه لإقامة مراكز البحث العلمي على مستوى واسع ومتقدم ، وإمدادها بما يلزم ، وتخصيص ميزانيات تتناسب و احتياجاتها ، لما له من آثار إيجابية ليس فقط بالنسبة للمجتمع الفلسطيني ، إنما للبشرية جمعاء .
سابعا : بناء اقتصاد وطني قوي يحرره من التبعية ، اقتصاد انتاجي وليس استهلاكيا ، يساهم في بناء المجتمع الفلسطيني على أسس قوية ، ويمكن من مواجهة ظاهرة البطالة المستشرية خاصة لدى قطاع الشباب ، و يحرر القرار السياسي الفلسطيني الوطني من أية ضغوط قد تمارس عليه .
ثامنا : تعميق وتمتين الوحدة الوطنية السياج الحامي للوجود الفلسطيني وقضيته , والتي تحول دون دفعه إلى متاهات لا يعرف أحد إلى أين تقود . والعمل بإخلاص من أجل الخروج من الأزمة الحالية ، وإعادة اللحمة إلى الصف الفلسطيني ، وعدم الانجرار وراء الأوهام التي يرسمها من لا يريدون للشعب الفلسطيني وقضيته الخير ، وكذلك الإغراءات الواهية التي يقصد بها فقط تعميق الشرخ ، وزيادة الفرقة بين أبناء الشعب الواحد .
تاسعا : التحرك كل باتجاه الآخر نحو صياغة برنامج عمل وطني ، وبناء " استراتيجية عليا " متفق عليها ،يمكن من خلالها أن نتلمس طريقنا نحو تحقيق الآمال والأهداف الوطنية ، تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ، وعلى أساس وثيقة الوفاق الوطني " وثيقة الأسرى " ، وإعادة بناء المنظمة ديمقراطيا وفق قانون التمثيل النسبي الكامل ، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده .
عاشرا : العمل على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل على أسس قوية وسليمة ، بما في ذلك الاتفاق على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المبكرة على كامل الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية وبضمنها القدس .
حادي عشر : البدء بانتهاج سياسة وطنية تهدف إلى الاهتمام بالأجيال الشابة ورعايتها ، وتوجيهها نحو المستقبل بخطى قوية ... ثابتة وواثقة ، من خلال الاهتمام بالموارد البشرية ، واستقطاب العقول ، وعدم دفعها للهجرة إلى خارج الوطن ، ولتكون قادرة على المساهمة في بناء الوطن وتطوره ، وعلى تولي القيادة في المستقبل ، من أجل تحقيق " تواصل الأجيال " كي لا ينتج فراغ سياسي أو قيادي في مرحلة من المراحل .
ثاني عشر : بث روح التكافل والتضامن الاجتماعي بين أبناء الشعب الفلسطيني ، وإعادة ما افتقده البعض منها لسبب أو لآخر ، وإعادة المحبة والمودة بين الجميع ، لما يشكل ذلك من عناصر قوة تحمي المجتمع من أية محاولات لاختراقه وزعزعته من داخله ، باعتبار أن وحدة النسيج المجتمعي يعد شرطا أساسيا في تعزيز الصمود الوطني ، وحماية المنجزات ، وتحقيق الأهداف.